قصص

نزهة الزمان والتاجر: حكاية الجمال والعِلم في حضرة الملك شركان.. الليلة ٥٩

قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن نزهة الزمان كتبت الكتاب، وناولته للتاجر، فأخذه وقرأه وعلم ما فيه، فقال: سبحان من صوّرك! وزاد في إكرامها، وصار يلاطفها نهاره كله، فلما أقبل الليل خرج إلى السوق، وأتى بشواء فأطعمها إياه، ثم أدخلها الحمّام، وأتى لها ببلّانة وقال لها:

«إذا فرغت من غسل رأسها، فألبسيها ثيابها، ثم أرسلي إليّ وأعلميني بذلك».
فقالت: «سمعًا وطاعة».

ثم أحضر لها طعامًا وفاكهة وشمعًا، وجعل ذلك على مصطبة الحمّام، فلما فرغت البلّانة من تنظيفها ألبستها ثيابها، ولما خرجت من الحمّام وجلست على مصطبة الحمّام وجدت المائدة حاضرة، فأكلت هي والبلّانة من الطعام والفاكهة، وتركت الباقي لحارسة الحمّام، ثم باتت إلى الصباح، وبات التاجر منعزلًا عنها في مكان آخر.

فلما استيقظ من نومه أيقظ نزهة الزمان، وأحضر لها قميصًا رفيعًا، وكوفية بألف دينار، وبدلة لباس تركية مزركشة بالذهب، وخفًّا مزركشًا بالذهب الأحمر مرصّعًا بالدرّ والجواهر، وجعل في أذنيها حلقًا من اللؤلؤ بألف دينار، ووضع في رقبتها طوقًا من الذهب، وقلادة من العنبر تُدلى تحت نهدَيها فوق صدرها، وتلك القلادة فيها عشر عُقَد وتسعة أهِلّة، كل هلال في وسطه فصٌّ من الياقوت، وكل عقدة فيها فصٌّ من البلّخش، وثمن تلك القلادة ثلاثة آلاف دينار، فصارت الكسوة التي كساها إياها بجملةٍ بليغةٍ من المال.

ثم أمرها التاجر أن تتزيّن، فتزيّنت بأحسن الزينة، ومشت ومشى التاجر أمامها، فلما عاينها الناس بُهِتوا في حسنها، وقالوا: تبارك الله أحسن الخالقين، هنيئًا لمن كانت هذه عنده.

وما زال التاجر يمشي وهي تمشي خلفه حتى دخل على الملك شركان، فلما دخل على الملك قبّل الأرض بين يديه، وقال:
«أيها الملك السعيد، أتيتُك بهديةٍ غريبة الأوصاف، عديمة النظير في هذا الزمان، قد جمعت بين الحُسن والإحسان».

فقال له الملك: «قصدي أن أراها عيانًا».
فخرج التاجر وأتى بها حتى أوقفها قدامه، فلما رآها الملك شركان حنّ الدم إلى الدم، وكانت قد فارقته وهي صغيرة، ولم ينظرها من قبل، لأنه بعد مدة من ولادتها سمع أن له أختًا تُسمّى نزهة الزمان، وأخًا يُسمّى ضوء المكان، فاغتاظ من أبيه غيظًا شديدًا غيرةً على المملكة كما تقدّم.

ولما قدّمها إليه التاجر قال له:
«يا ملك الزمان، إنها مع كونها بديعة الحُسن والجمال بحيث لا نظير لها في عصرها، تعرف جميع العلوم الدينية والدنيوية والسياسية والرياضية».

فقال له الملك: «خذ ثمنها مثلما اشتريتها، ودعها وتوجّه إلى حال سبيلك».
فقال له التاجر: «سمعًا وطاعة، ولكن اكتُب لي مرقومًا أني لا أدفع عُشرًا أبدًا على تجارتي».

فقال الملك: «إني أفعل لك ذلك، ولكن أخبرني: كم وزنتَ ثمنها؟»
فقال: «وزنتُ ثمنها مائة ألف دينار، وكسوتها بمائة ألف دينار».

فلما سمع ذلك الملك قال: «أنا أعطيك في ثمنها أكثر من ذلك».
ثم دعا بخازن داره، وقال له: «أعطِ هذا التاجر ثلاثمائة ألف دينار وعشرين ألف دينار».

ثم إن شركان أحضر القضاة الأربعة، وقال لهم:
«أُشهدكم أني أعتقت جاريتي هذه، وأريد أن أتزوجها».

فكتب القضاة حُجّةً بإعتاقها، ثم كتبوا كتابه عليها، ونثر الملك على رؤوس الحاضرين ذهبًا كثيرًا، وصار الغلمان والخدم يلتقطون ما نثره عليهم الملك من الذهب.

ثم إن الملك أمر بكتابة منشور إلى التاجر على طبق مراده، من أنه لا يدفع على تجارته عُشرًا، ولا يتعرّض له أحدٌ بسوء في سائر مملكته، وبعد ذلك أمر له بخلعةٍ سنية.

وأدركت شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك
يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك
زر الذهاب إلى الأعلى