كتب

نقد خطاب السعادة – تأملات فلسفية في موضة تسويقية

 مدخل تمهيدي: حين تتحول السعادة إلى سلعة!

تخيّل أن السعادة لم تعد تجربة إنسانية عميقة، بل أصبحت منتجاً يُباع ويُشترى، يُسوّق في العناوين الرنانة، وتُدرّس في دورات مدفوعة. “احصل على السعادة في 7 خطوات”، “كن سعيداً للأبد!”، و”ابتسم، فالسعادة قرار!”. هذا ما يُطلق عليه فهد الشقيران في كتابه “نقد خطاب السعادة”، مصطلح: موضة تسويقية تستهدف العقل العاطفي للإنسان وتُخدّره بالشعارات.

في هذا الكتاب، يُسلّط الكاتب الضوء على الجانب المظلم لخطاب السعادة المعاصر، من خلال نظرة فلسفية نقدية، تربط بين الفكرة والسوق، بين العمق الإنساني وسطحية العروض التنموية.

لماذا نحتاج إلى نقد السعادة؟

ينطلق الشقيران من سؤال جوهري: هل مفهوم “السعادة” المتداول اليوم حقيقي؟ أم هو مجرد منتج ثقافي جديد لخداع الذات؟

يؤكد أن السعادة تحوّلت في عالم اليوم من إحساس داخلي عميق إلى شعار خارجي يُكرّر عبر المؤثرين والإعلانات وورش العمل. لكنها – في جوهرها – باتت تُقدّم دون أي أساس فلسفي أو دليل عقلي، وكأنها وصفة سحرية تُناسب الجميع.

ومن هنا، يرى الكاتب أن نقد هذا الخطاب ضرورة ملحة لحماية العقل الإنساني من أن يُستعبد لشعارات غير مدروسة.

 مفاهيم محورية في الكتاب

– السعادة كأيديولوجيا

يشير الكاتب إلى أن “خطاب السعادة” أصبح أيديولوجيا تُفرض على الأفراد قسرًا، بحيث يُعتبر الشخص الحزين “معيبًا” أو “فاشلاً”، وكأن التعاسة عار يجب إخفاؤه.

– السعادة كسلعة

تم تسليع السعادة وتحويلها إلى منتج قابل للبيع والشراء، عبر دورات، كتب، فيديوهات، تطبيقات. وهنا يفقد الإنسان جوهر التجربة الشخصية ويتحول إلى مستهلك لوهم عام.

– وهم “الفرح الدائم”

يرفض الشقيران فكرة أن الإنسان قادر على الوصول إلى سعادة دائمة، لأنها فكرة تناقض طبيعة الحياة نفسها، التي تقوم على التغيير، الصراع، والنضج من خلال التجربة.

 محطات فلسفية: من أرسطو إلى كانط

يعيد الكاتب السعادة إلى أصلها الفلسفي. فهو يستعرض المفهوم كما جاء في فلسفات كبرى:

– أرسطو: السعادة كفضيلة

يرى أرسطو أن السعادة (Eudaimonia) لا تأتي من المتعة، بل من العيش الفاضل والوفاء للغرض الإنساني، أي تحقيق الذات من خلال الحكمة.

– كانط: الفرق بين السعادة والغبطة

يُقدّم كانط تفريقًا مهمًا بين “السعادة” كحالة حسية، و”الغبطة” كإحساس عقلي أخلاقي. ويرى أن ملاحقة السعادة بوصفها غاية غير عقلانية تقود إلى الإحباط.

– دلوز: نقد الغائية السعادية

يتأمل الشقيران في قراءة دلوز للفكر الكانطي، حيث يرى أن الإصرار على جعل “السعادة” غاية للوجود البشري يُحبط الإنسان، ويُفرغه من تجربته الذاتية المتفردة.

 

من السوق إلى الذات: ملاحظات على الواقع

يستعرض الكاتب أمثلة من الواقع:

  • دورات سعادة تعدك بالفرح خلال أيام.
  • كتب تنمية ذاتية تُطلق وعودًا عامة: “كن سعيدًا الآن”، “أنت تستحق السعادة”.
  • مؤثرون يتحدثون وكأن السعادة نتيجة يمكن شراؤها.

ويطرح سؤالًا: هل نجحت هذه النماذج في إنتاج مجتمع أكثر سعادة؟
الإجابة تأتي عبر استشهادات بالأرقام: ازدياد نسب الاكتئاب، ضغوط العمل، العزلة الاجتماعية… وكلها تتناقض مع وفرة “منتجات السعادة”.

 الحيلة الخطابية: كيف يُصاغ الوهم؟

يحلل الكاتب الأساليب الخطابية المستخدمة:

  • اللغة التحفيزية السطحية: استخدام ألفاظ مثل: “غير حياتك”، “كن أفضل نسخة”.
  • التهويل: تصوير الحياة بلا سعادة وكأنها جحيم.
  • الإقصاء: اتهام المشككين بأنهم سلبيون أو معرقلون.

ويرى الشقيران أن هذه اللغة تُستخدم ليس من أجل المعرفة، بل من أجل السيطرة، وبيع الأمل المعلّب.

ماذا بعد النقد؟ دعوة لتأمل شخصي

لا يكتفي الكاتب بالنقد، بل يدعو إلى إعادة طرح الأسئلة:

  • ما معنى السعادة بالنسبة لي؟
  • هل السعادة يجب أن تكون شعورًا دائمًا؟
  • هل يكفي أن أشعر بالحياة لأكون سعيدًا؟

هذه الأسئلة تعيدنا إلى الذات، وتُخرجنا من قبضة السوق.

 السعادة من منظور ديني وإنساني

يشير الكاتب إلى أن السعادة الحقيقية لا يمكن فصلها عن:

  • الإيمان: حيث يرى أن الاطمئنان الروحي يتجاوز مفاهيم السعادة المؤقتة.
  • المعنى: أن يكون للحياة غاية وقيمة.
  • العلاقات: التواصل الإنساني الحقيقي، لا الافتراضي.

 أبرز اقتباسات الكتاب (بخط مائل):

“السعادة ليست سلعة تُروّج، بل تجربة تُعاش، تنمو داخل القلب، لا في صفحات الدورات.”

“الإنسان السعيد حقًا لا يحتاج إلى إعلان، بل إلى لحظة صدق مع ذاته.”

“لقد اختُطفت السعادة من الفلسفة، وسُلمت لخبراء التسويق!”

 كيف قُرئ الكتاب؟ وأين تميّز؟

✅ على منصة أبجد:

حصل على تقييمات مرتفعة (4.5 من 5)، وكتب أحد القراء:
“كتاب صغير في حجمه، كبير في أثره… نزع الغشاوة عن عيني.”

✅ في الوسط الثقافي:

أشاد به مفكرون عرب على منصات مثل “الشرق الأوسط” و”الجزيرة الثقافية”، ووصفه البعض بأنه “أهم كتاب نقدي في موجة كتب السعادة”.

✅ لماذا يُعتبر مختلفًا؟

  • لا يقدم حلولًا سهلة.
  • لا يَعِد القارئ بالسعادة.
  • يُعيد العقل إلى طاولة الحوار.

 من هو فهد الشقيران؟

فهد سليمان الشقيران: كاتب وباحث سعودي، يكتب بانتظام في جريدة الشرق الأوسط، وله اهتمامات فلسفية وكتابات في الفكر والهوية والسياسة. هذا الكتاب يُعتبر استمرارًا لأطروحاته السابقة التي توازن بين الفكر والتحليل الواقعي.

 في ختام الرحلة: ماذا نأخذ من هذا الكتاب؟

إذا كنت تبحث عن كتاب يُخبرك كيف تكون سعيدًا في أسبوع، فهذا الكتاب ليس لك.

أما إذا كنت تريد كتابًا:

  • يوقظ فيك التساؤل،
  • ويحرّرك من إدمان الشعارات،
  • ويقودك لتفكر في ذاتك بعمق،

فـ”نقد خطاب السعادة” هو دعوة صريحة لتفكيك وهم كبير، ولإعادة اكتشاف الحياة لا بوصفها مشروع سعادة دائمة، بل رحلة مليئة بالتقلّبات، تستحق أن تُعاش بكل تناقضاتها.

 

لمعرفة المزيد: نقد خطاب السعادة – تأملات فلسفية في موضة تسويقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى