قصص

“يا قوت القلوب!”… صرخة أحيت الميت وأعادت الحبيب.. الليلة ٤٣

قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن قوت القلوب قالت لهما:«لا تحزنا».

ثم أمرت العريف أن يأخذهما إلى بيته، ويأمر زوجته أن تُدخلهما الحمّام، وتُلبسهما ثيابًا حسنة، وتعتني بهما وتُكرمهما غاية الإكرام، وأعطته جملة من المال.

وفي ثاني يوم ركبت قوت القلوب وذهبت إلى بيت العريف، ودخلت على زوجته، فقامت إليها وقبّلت يديها، وشكرت إحسانها. ورأت أم غانم وأخته وقد أدخلتهما زوجة العريف الحمّام، ونزعت ما عليهما من الثياب، فظهرت عليهما آثار النعمة، فجلست تُحادثهما ساعة، ثم سألت زوجة العريف عن المريض الذي عندها، فقالت: «هو بحاله».

فقالت: «قوموا بنا نطلّ عليه ونعوده».

فقامت هي وزوجة العريف وأم غانم وأخته، ودخلن عليه، وجلسن عنده. فلمّا سمعهن غانم بن أيوب المتيم المسلوب يذكرن قوت القلوب — وكان قد نحَل جسمه ورقّ عظمه — رُدّت له روحه، ورفع رأسه من فوق المخدة ونادى:
«يا قوت القلوب!»

فنظرت إليه وتحقّقته فعرفته، وصاحت بقولها:
«نعم يا حبيبي!»

فقال لها: «اقتربي مني».
فقالت له: «لعلك غانم بن أيوب المتيم المسلوب؟»
فقال لها: «نعم، أنا هو».

فعند ذلك وقعت مغشيًّا عليها، فلمّا سمعت أمه وأخته كلامهما صاحتا بقولهنّ:
«وافَرحتاه!»
ووقعتا مغشيًّا عليهما، وبعد ذلك استفاقوا.

فقالت له قوت القلوب:
«الحمد لله الذي جمع شملنا بك وبأمك وأختك».

وتقدّمت إليه وحكت له جميع ما جرى لها مع الخليفة، وقالت:
«إني قلت له: قد أظهرتُ لك الحق يا أمير المؤمنين».

فصدّق كلامي، ورَضِيَ عنك، وهو اليوم يتمنى أن يراك.
ثم قالت لغانم: «إن الخليفة وهبني لك».

ففرح بذلك غاية الفرح، فقالت لهم قوت القلوب:
«لا تبرحوا حتى أرجع».

ثم إنها قامت من وقتها وساعتها، وانطلقت إلى قصرها، وحملت الصندوق الذي أخذته من داره، وأخرجت منه دنانير، وأعطت العريف إياها، وقالت له:
«خذ هذه الدنانير، واشترِ لكل شخص منهم أربع بدلات كاملة من أحسن القماش، وعشرين منديلًا، وغير لهم المساليق وماء الخولنجان وماء التفاح، بعد أن يخرجوا من الحمّام ويلبسوا الثياب».

وأقامت عندهم ثلاثة أيام، وهي تطعمهم لحم الدجاج والمساليق، وتسقيهم السكر المكرر، وبعد ثلاثة أيام رُدّت لهم أرواحهم، وأدخلتهم الحمّام ثانيًا، وخرجوا وغيّرت عليهم الثياب، وخلّتهم في بيت العريف، وذهبت إلى الخليفة، وقبّلت الأرض بين يديه، وأعلمته بالقصة، وأنه قد حضر سيدها غانم بن أيوب المتيم المسلوب، وأن أمه وأخته قد حضرتا.

فلما سمع الخليفة كلام قوت القلوب قال للخدّام:
«عَجِّلوا بغانم!»

فنزل جعفر إليه، وكانت قوت القلوب قد سبقته، ودخلت على غانم، وقالت له:
«إن الخليفة قد أرسل إليك ليحضرك بين يديه، فعليك بفصاحة اللسان، وثبات الجَنان، وعذوبة الكلام».

وألبسته حُلّة فاخرة، وأعطته دنانير كثيرة، وقالت له:
«أكثر البذل إلى حاشية الخليفة وأنت داخل عليه».

وإذا بجعفر قد أقبل عليه وهو على بغلته، فقام غانم وقابله وحيّاه، وقبّل الأرض بين يديه، وقد ظهر كوكب سعده، وارتفع طالع مجده، فأخذه جعفر ولم يزالا سائرين حتى دخلا على أمير المؤمنين.

فلما حضر بين يديه نظر إلى الوزراء والأمراء والحُجّاب والنوّاب وأرباب الدولة وأصحاب الصولة، وكان غانم فصيح اللسان، ثابت الجَنان، رقيق العبارة، أنيق الإشارة، فأطرق برأسه إلى الأرض، ثم نظر إلى الخليفة وأنشد هذه الأبيات:

 الأبيات الشعرية:

أُفديك من ملكٍ عظيمِ الشانِ
متتابعِ الحسناتِ والإحسانِ

متوقّدِ العزماتِ فيضَ نداهُ
حدِّثْ عن الطوفانِ والنيرانِ

لا يلهجون بغيره من قصرٍ
في ذا المقام وصاحبِ الإيوانِ

تضع الملوك على الثرى أعتابَهُ
عند السلام جواهرَ التيجانِ

حتى إذا شخصتْ له أبصارُهمْ
خرّوا لهَيْبَتِهِ على الأذقانِ

ويفيدُهم ذاك المقامُ مع الرضا
رتبَ العلا وجلالةَ السلطانِ

ضاقتْ بعسكرك الفيافي والفلا
فاضربْ خيامك في ذُرى كيوانِ

واقرِ الكواكبَ مُحسنًا متفضّلًا
سعدُ السعيدِ سعادةَ الإنسانِ

وملكتَ شامخةَ الصياصي عنوةً
من حسنِ تدبيرٍ وثبتِ جَنانِ

ونشرتَ عدلك في البسيطة كلّها
حتى استوى القاصي بها والداني

 

فلما فرغ من شعره، طرب الخليفة من محاسن رونقه، وأعجبه فصاحة لسانه، وعذوبة منطقه.

وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك
يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك
زر الذهاب إلى الأعلى