كتب

5 خطوات للتعامل مع الصدمة النفسية" لأوليفيا ريميس: دليل عبور الألم إلى التعافي

في زاوية مظلمة من حياة كل إنسان، قد تتسلل لحظة لا تُنسى، تطرق أبواب القلب بعنف، وتُربك العقل بمشاعر مبهمة. لحظة قد تكون حادثًا مفاجئًا، خسارة موجعة، أو ذكرى ثقيلة لا تنطفئ بمرور الوقت. هنا، في هذا الفراغ النفسي المربك، يتدخل كتاب “5 خطوات للتعامل مع الصدمة النفسية” للمؤلفة وعالمة الأعصاب أوليفيا ريميس، ليقدم لنا خريطة طريق نحو الشفاء، لا من خلال التنظير، بل عبر خطوات عملية مبنية على علم النفس العصبي والإيجابي.

نُشر الكتاب في نسخته الأصلية باللغة الإنجليزية تحت عنوان “The Instant Mood Fix”، وحقق انتشارًا واسعًا لما تميز به من لغة بسيطة، وأسلوب علاجي عملي، جعل منه دليلًا شخصيًا للكثيرين حول العالم ممن واجهوا صدمات نفسية واحتاجوا إلى نقطة بداية.

 عن المؤلفة والكتاب

أوليفيا ريميس (Olivia Remes)، عالمة في علم النفس بجامعة كامبريدج، كرّست أبحاثها لفهم القلق، التوتر، والصدمة النفسية، وسبل التعامل معها في الحياة اليومية. تتسم أعمالها بمزجها بين البحث العلمي والتطبيق العملي الموجه للعامة، بعيدًا عن التعقيد الأكاديمي الجاف.

الكتاب الذي بين أيدينا ينتمي إلى فئة كتب الصحة النفسية وتطوير الذات، وقد تُرجم إلى عدة لغات، منها العربية، ولاقى رواجًا كبيرًا بين القراء في أوروبا والعالم العربي، حيث يتم تداوله كمرجع سريع لمن يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة أو القلق الشديد.

من الألم إلى التمكين: كيف نشأت فكرة الكتاب؟

تقول ريميس في مقابلة لها:
“في كثير من الحالات، لا تكون الصدمة هي المشكلة بحد ذاتها، بل كيفية استجابتنا لها، واستمرارنا في العيش داخلها.”

من هنا ولدت فكرة “الخطوات الخمس” — رؤية جديدة ترى أن التعافي من الصدمة لا يحدث في لحظة سحرية، بل من خلال قرارات صغيرة، متكررة، واعية.

تستند ريميس في هذا الكتاب إلى دراسات علمية رصينة من جامعة كامبريدج، فضلًا عن ملاحظاتها الإكلينيكية وتجارب آلاف المرضى. وتركّز على أن معظم استراتيجيات التعامل مع الصدمة ليست فطرية، بل يمكن تعلّمها.

تمهيد: ما الصدمة النفسية؟

قبل أن نغوص في خطوات ريميس، لا بد من تعريف دقيق للصدمة النفسية. وفق التصنيف النفسي، الصدمة هي رد فعل نفسي حاد على حدث مخيف أو مفاجئ أو عنيف. تختلف أنواع الصدمات بين:

  • صدمات معقدة مثل الطفولة الصعبة.
  • صدمات مفاجئة مثل الحوادث، فقدان الأحبة.
  • صدمات خفية مثل التجاهل المستمر أو التعرض للإهمال العاطفي.

ولأن الدماغ لا يفرّق بين التهديد الحقيقي والرمزي، فإن تراكم هذه التجارب يُبقي الجهاز العصبي في حالة تأهب، مسبّبًا القلق، الكوابيس، اليأس، أو حتى الإدمان.

هنا يتدخل كتاب “5 خطوات للتعامل مع الصدمة النفسية” ليقترح طرقًا لإعادة برمجة الدماغ على الأمان والتقبل.

الخطوة الأولى: “تسمية الشعور”

في لحظة الصدمة، يغمرنا شعور مبهم من الخوف أو الجمود. الخطوة الأولى تبدأ بـ**”تسمية الشعور بدقة”**، لأن ما لا يمكن تسميته لا يمكن التعامل معه.

🔹 تسأل ريميس: هل ما أشعر به الآن هو خذلان؟ خوف؟ غضب؟ أم خليط من كل ذلك؟
🔹 استخدام دفتر يومي لتسجيل المشاعر يمكن أن يكون بوابة لفك التشابك الداخلي.

تسمية العاطفة هي أول خطوة لتحييدها. — أوليفيا ريميس

وقد أثبتت دراسات الدماغ أن تسمية المشاعر تقلل من نشاط اللوزة الدماغية (مركز الخوف)، مما يخلق إحساسًا فوريًا بالتحكم.

الخطوة الثانية: “إعادة صياغة القصة”

الصدمة لا تحدث في الحدث ذاته، بل في القصة التي نرويها لأنفسنا عنه.

🔹 ريميس تدعو إلى إعادة كتابة السرد الداخلي، من:
“أنا ضحية”، إلى: “أنا نجوت”.
“هذا دمرني”، إلى: “هذا شكّلني”.

تقول ريميس إن إحدى مرضاها كانت تقول:
“لن أثق بأحد مجددًا”، وبعد العمل على هذه الخطوة، أصبحت تقول:
“سأضع حدودًا ذكية لحمايتي، ولكن لن أعيش في عزلة.”

إعادة صياغة القصة لا تعني الإنكار، بل استعادة السيطرة. إنها نقل مركز القوة من الحدث إلى الذات.

 الخطوة الثالثة: “ربط الألم بالآخرين”

الصدمة تخلق وهم العزلة. تجعلنا نعتقد أننا وحدنا في هذا الجرح.

تُركّز هذه الخطوة على خلق روابط آمنة عبر:

  • مشاركة القصة مع صديق موثوق.
  • الانضمام لمجموعات دعم.
  • طلب المساعدة من متخصص نفسي.

ريميس تشير إلى بحث أجرته جامعة كامبريدج يفيد بأن وجود شبكة دعم اجتماعية يقلل بنسبة 40% من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة.

كما تدعو إلى مفهوم “الاعتراف الآمن” — حيث نشارك جرحنا دون خوف من الحكم.

 

 الخطوة الرابعة: “تفعيل الوعي الجسدي”

الصدمة ليست فقط في الذهن، بل في الجسد. يشعر بها الجسم على هيئة توتر، تسارع نبضات، صعوبة في التنفس.

لهذا تقترح ريميس تقنيات يومية لتفكيك التوتر الجسدي مثل:

  • التنفس العميق من البطن (4 ثواني شهيق، 4 ثواني حبس، 4 ثواني زفير).
  • التأمل أو اليقظة الذهنية (Mindfulness).
  • اليوغا أو المشي في الطبيعة.

أحيانًا يكون العلاج الأبسط هو تذكير جسدك أنك آمن.

تقول ريميس إن من يعانون من الصدمة غالبًا ما يعيشون في رؤوسهم. لذا فإن عودة الوعي إلى الجسد هي بداية التعافي الحقيقي.

 الخطوة الخامسة: “بناء طقوس يومية للشفاء”

الصدمة قد تكون لحظة، لكن الشفاء منها يحتاج نظامًا متكررًا.

الخطوة الخامسة تتمثل في بناء عادات صغيرة متكررة تعزز الشعور بالسيطرة:

  • كتابة ثلاثة أشياء يومية ممتنة لها.
  • تخصيص عشر دقائق للهدوء كل مساء.
  • ممارسة الامتنان أو التأمل البصري.

تشير ريميس إلى أن الروتين النفسي هو مثل الجسر الذي نعبُر به من الفوضى إلى النظام.

في هذه الخطوة، لا تبحث عن الشفاء السريع، بل عن الاستمرارية.
كل فعل صغير، إذا تكرر، يُعيد برمجة الدماغ على الأمل. 

 

سر نجاح الكتاب: لماذا لامس قلوب القراء؟

  • استخدامه لغة غير متخصصة تصل لأي قارئ.
  • احتواؤه على أمثلة حقيقية من المرضى جعلت الخطوات قابلة للتطبيق.
  • الدمج بين العلم والروحانية والمرونة النفسية.
  • تصميمه كدليل عملي لا يتطلب جلسات طويلة أو أدوات معقدة.

لم يكن الكتاب مجرد نظرية، بل خريطة واقعية لكل من يجد نفسه على حافة الانهيار.

 كيف غيّر هذا الكتاب مفهوم “الشفاء”؟

قبل ريميس، كان يُنظر للشفاء من الصدمة على أنه رحلة طويلة مع العلاج النفسي التقليدي. لكن هذا الكتاب قدّم نموذجًا جديدًا:

  • الشفاء لا يحتاج أن يكون مكلفًا أو محصورًا بعيادة.
  • كل إنسان قادر على بناء أدواته الخاصة للتعامل مع ألمه.
  • المرونة النفسية ليست هبة، بل مهارة يمكن تعلّمها.

 اقتباس مميز من الكتاب

لن تُشفى لأنك نسيت، بل لأنك أصبحت أقوى من ذكراك. — أوليفيا ريميس

 تأثير الكتاب في الثقافة النفسية

منذ صدوره، أصبح الكتاب أحد الأدلة النفسية الأكثر تداولًا على منصات مثل Goodreads وAmazon. كما تمت ترجمته إلى أكثر من 12 لغة، وأُدرج في العديد من قوائم القراءة العلاجية في العيادات النفسية.

أثار الكتاب موجة من الوعي حول مفهوم الصدمة النفسية الخفية، التي قد لا تكون نتيجة حرب أو حادث، بل مجرد تراكم للألم الصامت.

 جدول زمني لأهم محطات الكتاب

السنة الحدث
2020 صدور النسخة الإنجليزية من الكتاب
2021 ترجم إلى الفرنسية والإيطالية
2022 صدور النسخة العربية
2023 أُدرج ضمن أفضل كتب الصحة النفسية في مجلة Psychology Today

خلاصة: لماذا نحتاج هذا الكتاب اليوم؟

في عالم تتسارع فيه الضغوط، وتتراكم فيه الجراح الصامتة، قد يكون كتاب “5 خطوات للتعامل مع الصدمة النفسية” هو ما نحتاجه لنبدأ حوارًا مع أنفسنا.

إنه ليس كتابًا للعلاج فقط، بل لبناء فهم جديد للحياة. لا يعدك بأن تختفي جراحك، لكنه يُرشدك لتعلّم كيفية العيش معها بسلام.

 

لمعرفة المزيد: 5 خطوات للتعامل مع الصدمة النفسية” لأوليفيا ريميس: دليل عبور الألم إلى التعافي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى