سيرة عمر بن عبد العزيز.. خامس الخلفاء الراشدين

يعد عمر بن عبد العزيز واحدًا من أبرز خلفاء الدولة الأموية وأكثرهم عدلًا وزهدًا في الحكم، حتى لُقِّب بـ”خامس الخلفاء الراشدين”. حكم لفترة قصيرة لكنها كانت مليئة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تركت أثرًا عميقًا في التاريخ الإسلامي.
نسبه ونشأته
ولد عمر بن عبد العزيز في المدينة المنورة عام 61 هـ (680 م)، وهو ابن عبد العزيز بن مروان، والي مصر وأخو الخليفة عبد الملك بن مروان. أمه ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، مما يجعله حفيدًا للخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وقد تأثر به كثيرًا في منهجه وسيرته.
نشأ في المدينة وتربى على يد علماءها الكبار، مثل سعيد بن المسيب، مما أكسبه علمًا غزيرًا وفقهًا عميقًا. ثم انتقل إلى دمشق حيث انخرط في العمل السياسي بعد تعيينه واليًا على المدينة المنورة من قبل الخليفة الوليد بن عبد الملك.
ولايته على المدينة
عُيِّن عمر بن عبد العزيز واليًا على المدينة المنورة عام 87 هـ، وأظهر منذ بداية ولايته اهتمامًا كبيرًا برعاية شؤون الناس والعدل بينهم. كان يرفض الظلم ويعمل على رفع المعاناة عن المواطنين، حتى أنه اشتكى أهل المدينة للوليد بن عبد الملك عندما عزله، لأنه كان يحكم بينهم بالعدل ويمنع الظلم.
توليه الخلافة
في عام 99 هـ، بعد وفاة الخليفة سليمان بن عبد الملك، تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة بناءً على وصية سليمان، رغم أن ذلك لم يكن متوقعًا، حيث لم يكن ابن عبد العزيز يسعى للحكم. لكنه قبِل الخلافة باعتبارها مسؤولية شرعية وأمانة عظيمة.
منذ لحظاته الأولى، أعلن عن نهج جديد في الحكم، فرفض الامتيازات الخاصة بالخلفاء، وأعاد الأموال التي أخذها بعض أقاربه من بيت المال، وعمل على إزالة المظالم وإقامة العدل بين الناس.
إصلاحاته في الحكم
1. الإصلاحات الاقتصادية
أعاد الأراضي التي استولى عليها بنو أمية إلى بيت المال.
وزع المال على الفقراء والمحتاجين، حتى قيل إنه لم يعد هناك فقير يستحق الزكاة في عهده.
أوقف فرض الضرائب الجائرة على الناس.
2. الإصلاحات السياسية
ألغى أسلوب القمع السياسي، ومنع ملاحقة المعارضين لأسباب غير عادلة.
أوقف سبّ الصحابة على المنابر، وهو تقليد كان قائمًا منذ عهد معاوية بن أبي سفيان.
أعاد العمل بالشورى، فلم يكن يتخذ قرارًا إلا بعد استشارة العلماء والفقهاء.
3. الإصلاحات الاجتماعية
حرص على تحسين أوضاع الفقراء والمحرومين.
أمر بتحرير العبيد الذين تعرضوا للظلم.
عزز دور العلماء في الدولة، وجعلهم شركاء في الحكم.
زهده وورعه
كان عمر بن عبد العزيز زاهدًا في الدنيا، فلم يحرص على جمع المال أو العيش برفاهية كما فعل بعض خلفاء بني أمية. لبس الملابس البسيطة، وترك القصور، وكان يأكل الطعام العادي الذي يأكله عامة الناس.
حين تولى الحكم، قال لزوجته فاطمة بنت عبد الملك: “إما أن تردي جميع حُليّك إلى بيت المال، أو أفارقك”، فاختارت إعادة الحلي.
وفاته
لم يدم حكم عمر بن عبد العزيز طويلًا، حيث توفي في عام 101 هـ (720 م) بعد عامين وخمسة أشهر من توليه الخلافة. يقال إنه مات مسمومًا بتحريض من بعض أفراد بني أمية الذين لم تعجبهم إصلاحاته.
ورغم قصر مدة حكمه، إلا أن أثره ظل خالدًا في التاريخ الإسلامي، واعتبره كثيرون نموذجًا للحاكم العادل.
خاتمة
يظل عمر بن عبد العزيز رمزًا للحكم العادل والزهد في السلطة، فقد أعاد القيم الإسلامية الأصيلة إلى نظام الحكم، وسعى إلى تحقيق العدل بين الناس، مما جعله يستحق لقب “خامس الخلفاء الراشدين”.