كفّارة الذنوب… رواية Atonement لإيان ماك إيوان: قصة حب وخطيئة لا تُغتفر

نبذة تعريفية عن الرواية
رواية Atonement (كفّارة) هي إحدى أشهر أعمال الكاتب البريطاني إيان ماك إيوان (Ian McEwan)، نُشرت لأول مرة في عام 2001 باللغة الإنجليزية، واعتُبرت لاحقًا إحدى أعظم روايات الأدب الإنجليزي في مطلع القرن الحادي والعشرين. تنتمي الرواية إلى فئة الرواية الأدبية الدرامية، وتمزج بين الحب والتاريخ والحرب والتأمل النفسي العميق. حازت Atonement على جائزة جيمس تيت بلاك العريقة للأدب، كما وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر البريطانية المرموقة، وحصلت على إشادة واسعة من النقاد والجمهور.
بيعت ملايين النسخ من الرواية في أنحاء العالم، وتمت ترجمتها إلى أكثر من 30 لغة، مما عزز من حضورها في المكتبات العالمية، وساهم في ترسيخ اسم إيان ماك إيوان كواحد من أهم كتّاب العصر الحديث.
حين تغيّر جملة واحدة مجرى الحياة: عرض سردي لرواية Atonement
في ظهيرة صيفية خانقة من عام 1935، داخل قصر ريفي إنجليزي فاخر، كانت الطفلة بريوني تاليس، ذات الثلاثة عشر ربيعًا، تمضي وقتها في كتابة مسرحية بسيطة تنوي عرضها أمام أسرتها. خيالها الأدبي الجارف، وحبها للقصص، وانشغالها بفكرة “العدالة”، شكّلت أرضية مأساة قادمة لا أحد كان يتوقع حجمها.
لكن دعونا لا نسبق الأحداث…
في ذلك القصر، التقت ثلاث شخصيات رئيسية: بريوني الطفلة الكاتبة الطموحة، أختها الكبرى الجميلة سيسيليا تاليس، وابن خادمة الأسرة الطموح روبي تيرنر، الشاب الذي نشأ بين جدران المنزل، لكنه لم يكن أبدًا “من أهل البيت”. كان ذكاؤه الحاد قد خوّله بالحصول على منحة دراسية إلى جامعة كامبريدج، وكان مستقبله يبدو مشرقًا، على الرغم من خلفيته الاجتماعية المتواضعة.
وفي ظلال تلك الظهيرة، كانت العيون تتقاطع، والأفكار تتشابك، والقلوب تخفق… لكن قلبًا واحدًا سيسبب الانهيار.
صيف الشك والدمار
في لحظة حاسمة، رأت بريوني من نافذتها مشهدًا لم تفهمه تمامًا: رأَت روبي يخلع ملابسه قرب النافورة، وتعتقد أنه يهاجم أختها سيسيليا. ثم، وبفضول الطفلة غير الواعية، تقرأ رسالة كتبها روبي لسيسيليا… لكنها لم تكن الرسالة التي قصد إرسالها. كانت هناك نسخة غير لائقة كتبها على سبيل المزاح أو ربما الفضول، وسهى أن يحذفها.
ومع تراكم المشاهد الغامضة في ذهن بريوني — بعضها واقعي، وبعضها من وحي خيالها الجامح — تصبح على يقين، أو على الأقل تظن أنها كذلك: روبي ليس فقط مغرمًا بأختها، بل هو “خطر” يجب إنقاذها منه.
وفي تلك الليلة، حين تتعرض فتاة صغيرة في الحديقة لاعتداء جنسي من مجهول، لا تتردد بريوني في الإدلاء بشهادتها. تُقسم أن روبي هو الجاني. لم تر وجهه، لكنها على يقين “قصصي”…
وبتلك الجملة التي نطقتها بثقة في قاعة الاستجواب، حُكم على روبي بالسجن، وتفتّت مستقبل سيسيليا، وتبعثرت الأرواح.
الشق الثاني من القصة: الحرب والغفران المستحيل
تمر السنوات، ويخرج روبي من السجن بشرط واحد: أن يلتحق بالخدمة في الجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية. ننتقل معه إلى ساحات القتال في فرنسا عام 1940، مع قوافل الجنود المنسحبين نحو “دنكيرك”، بينما تستعر نيران الحرب في السماء والحقول.
وهناك، وسط أصوات القذائف وصرخات الموتى، يتشبث روبي بأمل واحد: العودة إلى سيسيليا… التي هربت من عائلتها احتجاجًا على الظلم الذي وقع عليه، وانقطعت عنها كل صلة.
الاثنان — سيسيليا وروبي — يعيشان حُبًا مجروحًا، ومشوهًا، لكنه لا يموت. حبهما لا يتحقق أبدًا، ولكنه أيضًا لا يُدفن.
أما بريوني، فقد كبرت. دخلت مجال التمريض كمحاولة للتكفير عن ذنبها، وهناك رأت أهوال الحرب والجراح والندم. كانت تكتب القصص دومًا، لكن هذه المرة، كانت القصة الحقيقية ثقيلة، لا يمكن أن تُروى بلا نزيف.
وفي زيارة مؤثرة إلى سيسيليا وروبي، تعترف بريوني بجريمتها، وتعدهما بأنها ستقول الحقيقة، وستكتبها.
الذروة الكبرى: لعبة الأدب والواقع
لكن، في التواء سردي مذهل، يُفاجأ القارئ بأن ما قرأه كله — أو جزءًا منه — قد يكون مجرد إعادة سرد من بريوني نفسها، وقد كتبت الرواية بعد عقود، حين أصبحت كاتبة شهيرة. نُكتشف، في الصفحات الأخيرة، أن “اللقاء” بين سيسيليا وروبي لم يحدث قط. لقد مات الاثنان، كلٌ في وقته، أحدهما في الحرب، والآخر في قصف لندن.
إذاً، ماذا بقي؟
بقيت القصة. بقيت “كفّارة” الأدب.
بريوني — وقد أصبحت امرأة مسنة — تعترف للقارئ بأنها لم تستطع إعادة الحق بشكل واقعي، لذا كتبت “نسخة أدبية” تنقذ بها الحبيبين من القدر. كتبت النهاية التي لم تحدث. لم يكن لديها القوة لتغيير الماضي، لكن الأدب منحها سلطة منح الحياة، وإن كانت متخيّلة.
الأعمال الفنية المقتبسة عن الرواية
في عام 2007، تحوّلت رواية Atonement إلى فيلم سينمائي يحمل نفس الاسم، من إخراج المخرج البريطاني جو رايت (Joe Wright). كتب السيناريو كريستوفر هامبتون، الحائز على جائزة الأوسكار.
ضمّت بطولة الفيلم نخبة من النجوم، أبرزهم:
- جيمس ماكافوي في دور روبي تيرنر
- كيرا نايتلي في دور سيسيليا تاليس
- سيرشا رونان في دور بريوني الطفلة
- رومي جاراي (Briony الشابة) وفانيسا ريدغريف (Briony المسنّة)
نال الفيلم إشادة واسعة، وفاز بجائزة الأوسكار لأفضل موسيقى تصويرية، كما ترشح لسبع جوائز أوسكار أخرى، منها أفضل فيلم وأفضل سيناريو مقتبس.
تقييمات الفيلم:
- IMDb: 7.8/10
- Rotten Tomatoes: 83% (تقييم النقاد)، و85% (تقييم الجمهور)
تحليل الأصداء والتأثير
لاقى الفيلم، مثل الرواية، ترحيبًا نقديًا وجماهيريًا كبيرًا، خاصة لقدرته على تقديم أجواء الرواية بتفاصيلها البصرية الثرية، والاحتفاظ بروحها الأدبية دون أن يقع في فخ “النقل الحرفي”. أُشيد بالتصوير السينمائي، خاصة في مشهد “ساحل دنكيرك” الشهير الذي صُوّر في لقطة واحدة طويلة (One Take)، وأصبح علامة فنية فارقة.
سيرشا رونان، رغم صغر سنها آنذاك، خطفت الأنظار بدورها المعقد، وتم ترشيحها للأوسكار عن دورها في الفيلم، مما أطلق مسيرتها الفنية.
ساهم الفيلم في إعادة إشعال الاهتمام بالرواية، خصوصًا بين جيل جديد من القراء الذين لم يسبق لهم قراءتها. كما أصبح أحد أمثلة الأدب الذي يصنعه الندم، وأحد أكثر القصص تشريحًا لفكرة “الحقيقة” مقابل “السرد”.
حتى اليوم، ما زالت Atonement تُدرّس في أقسام الأدب والسينما، كدراسة لحكاية مأساوية تدور حول الخطيئة والاعتراف والتكفير، وعن كيف يمكن لقصة أن تُعيد تشكيل المصير، حتى وإن كان ذلك فقط على الورق.