Emma – جين أوستن: كبرياء الوعي الاجتماعي وخيوط الحب المضلّلة

نبذة تعريفية عن الرواية
رواية “Emma” هي إحدى روائع الكاتبة البريطانية جين أوستن (Jane Austen)، وقد نُشرت لأول مرة في ديسمبر عام 1815 باللغة الإنجليزية. تُصنف الرواية ضمن الأدب الكلاسيكي الرومانسي، وهي واحدة من أبرز الروايات التي تُعالج موضوعات الطبقية، الزواج، والوعي الذاتي بشيء من التهكم والدقة النفسية. لم تفز الرواية بجوائز في وقتها، إذ لم تكن الجوائز الأدبية شائعة آنذاك، لكنها اليوم تُعدّ من أبرز ما كُتب في الأدب الإنجليزي، وتُدرَّس في كبرى الجامعات.
تُقدّر مبيعات الرواية عبر العقود بملايين النسخ، وقد تُرجمت إلى أكثر من 30 لغة، ولا تزال تُطبع وتُقرأ في أنحاء العالم، بفضل أسلوب أوستن الذكي وقراءتها الحادة للمجتمع الإنجليزي في بدايات القرن التاسع عشر.
القصة: عندما يتلاعب الذكاء بالقلب
في ريف “هايبيوري”، تلك البلدة الإنجليزية الهادئة، تعيش إيما وودهوس، فتاة شابة جميلة وثرية، مدلّلة ومحبوبة، وربما أكثر ثقة مما ينبغي. كانت إيما مقتنعة تمامًا أنها موهوبة في التوفيق بين القلوب، وصانعة زيجات بامتياز. ولعل نجاحها في ترتيب زواج مربيتها السابقة السيدة تايلور من السيد ويستون عزز لديها هذا الوهم.
“أنا لن أتزوج أبدًا”، قالت إيما ذات مرة بثقة أمام والدها، السيد وودهوس، الأرمل المُسن والمهووس بالصحة والحيطة. “ولكنني سأجعل من الآخرين سعداء!” هكذا آمنت إيما بدورها في هذا العالم: وسيطة للحب دون أن تقع فيه.
حين تدخل إلى حياتها الشابة الجديدة هارييت سميث، وهي فتاة بسيطة غير معروفة النسب، تتبناها إيما كصديقة وتقرر “تحسين” مستقبلها. ترى إيما أن هارييت لا تليق بمزارع مثل روبرت مارتن، الذي يحبها بصدق، وتدفعها بلطف – لكن بثقة عمياء – إلى رفضه. بدلاً من ذلك، تحاول إيما أن تدفعها نحو السيد إلتون، القس الأنيق الذي يبدو مناسبًا من وجهة نظرها الاجتماعية.
لكن إيما لا تدرك أن السيد إلتون لم يكن يهتم بهارييت قط، بل كان معجبًا… بإيما نفسها!
في مشهد مشحون بالحرج والمفاجأة، يصارح السيد إلتون إيما بمشاعره، فتتجمد ملامحها. “أنت مخطئ، يا سيدي!” تقولها وهي تحاول حفظ كرامتها وكرامته. لم يكن من السهل الاعتراف بخطأ التقدير.
السيد نايتلي، جار إيما وصديق العائلة الوفي، لم يكن يخفي انتقاده لتصرفاتها. كان يرى في إيما فتاة ذكية ولكن متهورة، وأن كبرياءها يقودها إلى التدخل في حياة الآخرين دون إدراك لعواقب الأمور. وبينهما، ينشأ حوار دائم مليء بالملاحظات الحادة والتعليقات المتبادلة، يراوح بين الصداقة والنقد، وبين الحنان والمشاكسات.
في خضم هذه العلاقات المتشابكة، تصل إلى البلدة شخصيتان جديدتان: فرانك تشرشل، ابن زوجة السيد ويستون، الشاب الأنيق صاحب الأسلوب الساحر، وجين فيرفاكس، الفتاة المتزنة الموهوبة في الموسيقى. يظن الجميع، بل إيما بالذات، أن فرانك قد يكون الرجل الذي قد “يليق بها”. تبدأ إيما في تفسير نظراته ومجاملاته على أنها إشارات إعجاب.
لكن فرانك تشرشل كان يخفي سرًا: كان مخطوبًا سرًا لجين فيرفاكس طوال الوقت!
تنهار أوهام إيما مرة أخرى، وتبدأ تراجع ذاتها. كم مرة كانت تتوهم الحب؟ وكم من الأذى سبّبته لمن حولها؟
أما هارييت، فبعد سلسلة من خيبات الأمل، تبدأ بالتفكير في شخص آخر — في السيد نايتلي نفسه! وهنا، وللمرة الأولى، تشعر إيما بوخز الغيرة، بالذعر، وبحقيقة ما تحمله في قلبها: كانت تحب السيد نايتلي.
لم تكن هذه المرة وهمًا أو تدخلاً في شؤون الغير. كانت مشاعرها صادقة، خالية من الادعاء. لكنها خشيت أن يكون الوقت قد فات.
في أحد أجمل مشاهد الرواية، حين يسيران سويًا في الحديقة، يبوح لها السيد نايتلي بحبه الحقيقي. “إذا لم تكوني سعيدة يا إيما، فلن أستطيع أن أكون كذلك.” تتورد وجنتاها، وتتفجر الدموع في عينيها، لكنها تضحك أيضًا، تلك الضحكة التي تحمل مفاجأة وراحة وتحررًا.
تتزوج إيما من نايتلي، بينما تعود هارييت إلى روبرت مارتن، الذي لا يزال يحبها ويطلب يدها مجددًا.
وفي النهاية، تتوازن الحياة في هايبيوري، ليس فقط لأن الزيجات قد تمت، بل لأن الشخصيات قد نضجت. تعلمت إيما أن الحب لا يمكن التلاعب به، وأن القلب، لا الذكاء، هو الذي يدلنا على الطريق.
الأعمال الفنية المقتبسة عن الرواية
رواية “Emma” ألهمت العديد من الأعمال الفنية منذ نشرها. إليك أبرزها:
- Emma (1996)
- إخراج: دوغلاس ماكغراث
- بطولة: غوينيث بالترو، جيريمي نورثام، توني كوليت
- تقييم IMDb: 6.7/10
- فيلم كلاسيكي أنيق جمع بين الوفاء للرواية واللمسة الهوليوودية.
- Clueless (1995)
- إخراج: إيمي هيكرلينغ
- بطولة: أليشيا سيلفرستون، بول رود
- تقييم IMDb: 6.9/10
- إعادة تصور عصرية للرواية في أجواء المدارس الثانوية في كاليفورنيا، وكانت ناجحة للغاية تجاريًا.
- Emma (2020)
- إخراج: أوتمن دي وايلد
- بطولة: أنيا تايلور-جوي، جوني فلين، ميا جوث
- تقييم IMDb: 6.7/10 / Rotten Tomatoes: 87%
- نسخة أنيقة بصريًا، مفعمة بالألوان والموسيقى واللمسة الساخر، حازت على إعجاب النقّاد لجمالها البصري ودقة الأداء.
- Emma (2009 – مسلسل تلفزيوني)
- إنتاج BBC، إخراج: جيم أوبراين
- بطولة: روميولا غاراي، جوني لي ميلر
- تقييم IMDb: 8.1/10
- اقتباس طويل بأربع حلقات غاص في تفاصيل الرواية النفسية والاجتماعية، ويُعد من أكثر النسخ إخلاصًا للنص الأصلي.
تحليل أصداء العمل الفني
استُقبلت الأعمال المقتبسة من “Emma” بحفاوة جماهيرية ونقدية واسعة، لا سيما اقتباسات BBC ونسخة 2020. وُصفت هذه الأعمال بأنها تجسيد ناجح للروح الساخرة والرومانسية في الرواية، وغالبًا ما امتازت بالأزياء الدقيقة والديكور المتقن، ما زاد من شهرة الرواية لدى جمهور العصر الحديث.
أما فيلم “Clueless”، فرغم اختلافه عن السياق الزمني الأصلي، فقد اعتُبر تحديثًا عبقريًا للرواية، وساهم في إعادة اكتشاف أعمال جين أوستن بين المراهقين والشباب في التسعينيات.
بفضل هذه الأعمال، لم تعد “Emma” مجرد رواية كلاسيكية في رفوف المكتبات، بل أصبحت رمزًا متجددًا لفهم الذات، وسخرية اجتماعية راقية، وحديثًا دائمًا عن تقاطع الحب والوعي الطبقي في حياة البشر.