لمياء ناجي تبوح في "كنت بجانبها": حديث الأم، المعلمة، والصديقة

في زاوية من زوايا الحياة المزدحمة، تقف فتاة شابة، يملؤها الحنين لأيام الطفولة، وفي قلبها أسئلة لم تُجب بعد… من أنا؟ ولماذا أشعر بهذا الثقل في روحي؟ وبين زحمة المشاعر وتحديات النمو، كانت هناك يد خفية تربت على كتفها، وابتسامة تقول لها: “أنا كنت بجانبك، وما زلت.”
هذا ليس مشهدًا من رواية درامية، بل هو خلاصة الإحساس الذي يرافق قارئ كتاب “كنت بجانبها” للكاتبة لمياء ناجي، إحدى أبرز الأصوات السعودية الجديدة في أدب تطوير الذات والتجربة الإنسانية العاطفية التربوية.
من هي لمياء ناجي؟
لمياء ناجي ليست فقط كاتبة، بل مربية ومعلمة ومدربة معتمدة في تطوير الذات. تعمل عن قرب مع الطالبات والمراهقات، وتستمع لقصصهن، لضعفهن وقوتهن، لقلقهن وطموحاتهن.
من هذه التجربة التربوية العميقة، خرجت بفكرة: أن تكتب كتابًا يُشبه طالباتها، ويعكس مشاعرهن، بل ويخاطبهن كما لو كانت أمًا، أو صديقة، أو أختًا كبرى.
نبتة من قلب التجربة
في مقدمة الكتاب، تكتب الكاتبة أنها لا تهدف إلى تقديم وصفة سحرية للتغيير، بل تسعى إلى أن تكون مرآة. مرآة ترى فيها القارئة نفسها بوضوح، وتكتشف من خلالها ما أهملته، أو تجاهلته، أو لم تدرك أنه يسكن قلبها.
الكتاب ليس رواية، وليس مقالات تقليدية. بل هو مزيج فريد بين القصة الشخصية، والخاطرة الأدبية، والرسالة التربوية. أحيانًا نقرأ حوارًا بين الكاتبة وطالبة. وأحيانًا نغرق في مونولوج داخلي يتأرجح بين الشك والإيمان. وأحيانًا نُفاجأ بنصيحة تربوية كتبتها الكاتبة بعد موقف مؤثر.
الفتاة التي كانت بجانبها… كانت أنت
ما يميز “كنت بجانبها” هو شعور القارئة أن الكاتبة تخاطبها شخصيًا.
بلغة حنونة، غير متكلفة، تمزج بين الوعي والدفء، تخاطب الكاتبة القارئة في كل مرحلة من حياتها:
- عندما كانت صغيرة وتخاف من الظلام.
- عندما كبرت قليلًا وبدأت تدرك قسوة الكلمات.
- عندما أحبّت لأول مرة وخاب أملها.
- عندما شعرت أنها غير مرئية.
- وعندما بدأت تبحث عن ذاتها في انعكاسات المرايا المكسورة.
أمنيتي أن ألتقي بفتيات العالم لأرى روعة طفولتي فيهن. – لمياء ناجي
فصول متسلسلة… أو لعلها مرايا متناثرة
لا يتبع الكتاب ترتيبًا أكاديميًا تقليديًا، لكنه يحمل تسلسلًا وجدانيًا. كل صفحة تشبه غرفة صغيرة في منزل الذكريات. فمثلًا:
- فصل يتحدث عن الخجل الاجتماعي وكيف يلتهم المراهقة.
- فصل بعنوان “أن تُرفضي ولا تعرفي السبب”، يحكي تجربة طالبة استُبعدت عن دائرة صديقاتها دون تفسير.
- فصل عن الهوية الجسدية، وكيف أن كثيرًا من الفتيات يعانين من فقدان الثقة بسبب مقارنات سامة.
وفي كل فصل، تُحاول الكاتبة أن:
- تطرح القصة أو المشكلة.
- تُعلّق عليها برأيها كمعلمة وخبيرة تربوية.
- تقدم نصيحة واقعية لا تبدو مثالية أو خيالية.
أسلوب الكتابة: بين الشعر والمقال
تميّز أسلوب لمياء ناجي في هذا الكتاب بطابع سردي ناعم، أشبه بخطاب هادئ يُلقى من القلب إلى القلب.
لا تكثر الكاتبة من التنظير، ولا تُحب التكرار. بل تعتمد على القصص القصيرة المكثفة، والحوارات، والمجازات الشعرية البسيطة. وهذا يجعل الكتاب مناسبًا للفتيات اليافعات، أو النساء الباحثات عن قراءة خفيفة عاطفية تُلامس الوجدان دون تعقيد لغوي.
ثنائية اللغة: تجربة متميزة
الجميل أن النسخة الورقية من الكتاب مقسومة إلى جزأين: الأيمن باللغة العربية، والأيسر باللغة الإنجليزية. وهو ما يضيف بعدًا تعليميًا وجماليًا، ويجعل الكتاب مناسبًا أيضًا لمدارس أو أندية قراءة باللغة الإنجليزية.
نماذج من الفصول المؤثرة
1. “لماذا أنسحب دائمًا؟”
تروي الكاتبة عن فتاة كانت دائمًا ما تتراجع عن الخطوة الأخيرة، سواء في حب، أو صداقة، أو حتى قرار مهني. وتُحلل مشاعر الخوف المزمن من الرفض، وتطرح سؤالًا محوريًا:
“هل الانسحاب حماية أم هروب؟”
2. “إلى من بكت بصمت”
صفحات مؤثرة جدًا، موجهة للفتيات اللواتي يُخفين دموعهن في الظلام. تتحدث فيها الكاتبة عن قوة البكاء، وأهمية الاعتراف بالحزن.
3. “حين كذبت وندمت”
قصة حقيقية عن طالبة كذبت في أمر بسيط، لكنه كسر ثقة أمها. والدرس التربوي الذي خرجت به الكاتبة من هذا الموقف.
التأثير الثقافي والاجتماعي
رغم أن “كنت بجانبها” لم يُصبح كتابًا جماهيريًا بالمعايير التجارية، إلا أنه خلق جمهورًا مخلصًا من القارئات الشابات، خاصة في السعودية والخليج. وانتشر بين الأمهات والمعلمات كمادة تربوية غير مباشرة.
كما استُخدم في ورش تطوير ذات للفتيات، وفي أندية القراءة النسائية. وتناقلت بعض الاقتباسات منه على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة المقاطع المتعلقة بالحب الذاتي والمصالحة مع الماضي.
لماذا تقرأ هذا الكتاب؟
- إذا كنت فتاة مراهقة تشعر بالضياع، ستجدين فيه صوتًا يُشبهك.
- إذا كنت أمًا أو معلمة، ستفهمين من خلاله كيف تفكر الفتيات اليوم.
- إذا كنت تبحث عن هدية معنوية لفتاة في بداية طريقها، فهذا الكتاب خيار رائع.
- إذا كنت تحتاج رسالة غير مباشرة لتُصالح نفسك… ستجد بعض الجُمل هنا تُداويك.
المؤلفة في الإعلام
لمياء ناجي تمتلك حضورًا رقميًا مؤثرًا، حيث تشارك مقاطع من تجاربها على وسائل التواصل، خاصة إنستغرام ويوتيوب من خلال منصة “كينونة حب”.
شاركت في برامج ومحاضرات، وتقدم دورات تربوية للمعلمات والأمهات.
هذا الحضور الإعلامي عزز من انتشار الكتاب، خاصة في أوساط المعلمات ومدربات الوعي الذاتي.
ملاحظات نقدية
- بعض القراء أشاروا إلى تكرار في بعض المواضيع، أو استخدام عبارات عامة غير دقيقة.
- الترجمة الإنجليزية في النسخة ثنائية اللغة تحتاج إلى تدقيق أدبي أكبر، لأنها أحيانًا تبدو حرفية.
- تنوع الفصول جميل، لكنه قد يُشتت بعض القراء الذين يبحثون عن محور مركزي.
هل هو كتاب للكل؟
نعم ولا.
“كنت بجانبها” هو كتاب ذو طابع نسائي واضح. لا يُخاطب الرجل، ولا يُخاطب المختصين في علم النفس أو التربية.
لكنه يُخاطب القلب. يخاطب القارئة العادية، البسيطة، التي مرت بجراح، وتريد أن تسمع صوتًا يقول لها: “أنا أفهمك… وكنت هناك.”
اقتباسات بارزة
ربما ما نراه جرحًا، كان في الحقيقة بابًا لحكمةٍ لا تولد إلا من الألم.
بعض القلوب لا تحتاج نصيحة… بل تحتاج من يصدق شعورها فقط.
خاتمة: كن بجانبها… أو بجانبك أنت
“كنت بجانبها” ليس مجرد كتاب… إنه رسالة.
رسالة من امرأة إلى كل فتاة مرت بلحظة ضعف، أو خيبة، أو ارتباك.
إنه دليل غير مباشر على أن التربية ليست أوامر، بل احتواء. وأن النضج لا يأتي بالعمر، بل بالحب.
في عالم سريع لا ينتظر أحدًا، كانت لمياء ناجي هي اليد التي امتدت لتقول لكل فتاة:
“لا بأس، أنا هنا، وكنت دائمًا… بجانبك.”