من الأندلس إلى الخليج… طيور الحب تغني بفم فائق عبدالجليل

مقدمة تأسر القلب
في لحظة هادئة، تحت ضوء شمسٍ تلامس وجنةً خضراء، تستيقظ العصافير على أغنية حب لا تشبه سواها. هكذا تبدأ رحلتنا مع سيرة «حب العصافير»—كتاب لم يكن مجرد عمل شعري، بل تأريخ لقلوبٍ طائرة، تشدو ببلاغة عشقٍ منقطع النظير. من دفء ديوان فائق عبدالجليل، انطلقت القصائد كرفاق للحنين، لينساب سردٌ شاعرِيٌّ يتجاوز الفصحى إلى عالم مغنّى بالخواطر، يجمع بين صدق اللغة ورقة المشاعر.
حبيبتي ذرات الوقت… فرح كل السماوات…
— فائق عبدالجليل
السرد هنا ليس مجرد عرض للكلمات، بل تجربة حية، نطير فيها بين أبواب الأندلس القديمة، ونلتقط في مسامعنا همسات العصافير الخليجية، حتى تتحول صفحات الكتاب إلى جناحين يأخذاننا في رحلة من الحب والوجدان.
نشأة الكتاب: ميلاد عشقٍ شعري
صدر ديوان «حب العصافير» عبر دار كلمات للنشر عام 2024، في نسخته الكلاسيكية بطباعة غلاف ورقي بعد نسخة إلكترونية صدرت سابقًا. جاءت الفكرة بعد مجموعة من النصوص القصصية والعاطفية التي كتبها الشاعر، لكنه أراد أن يصوغها بصيغة الفصحى الشعرية هذه المرة.
السياق الزمني والاجتماعي
في العام 2024، وفي ظل عودة الاهتمام بالهوية الثقافية وعمق الشعر العربي، اتجه عبدالجليل لتقديم شعر فصيح رائق، يخاطب ذائقة المتلقّي الثريّة. كانت هذه الخطوة بمثابة تحدٍّ فني وأدبي لتجديد العلاقة بين الشاعر والقارئ، عبر لغة الحب العميقة.
أجواء النص الأسطورية
يبدأ كل نص بشعور مكثف: الطريق إلى العشق، اللقاء، الاشتياق. كأن كل قصيدة تُنشد، لا تُقرأ، فتشعر بارتعاش الكلمات.
حبيبتي رصاصة حب… يعانق هموم الأرض…
العصفور هنا رمزٌ للحب النقي، والحرية المتفائلة. صوره متكررة، مع تكرار لتقابل بين رمزية الأندلس—موطن الحب القديم—وصور الحياة المعاصرة، لتُضفي على القصيدة حضورًا زمانيًا متداخلاً.
هيكل سردي جميل
الكتاب لا يسير على خط شعري وحيد، بل يمزج بين:
- التمهيد القصصي أو الشعري: لبناء حالة شعورية.
- نواة شعرية: تعبر عن الانفعال العاطفي.
- ختام حواري: فيه يبوح العاشق، أو تصمت الحبيبة، أو تتكلم العصافير.
هذا الأسلوب يشبه الحكاية الرومانسية، أو ما يُعرف بالشعر الحكائي، حيث يتجاوز الشاعر التفعيلة ليخوض في بناء شعري سردي متكامل.
قصص مصغّرة: الجانب السردي
لا يكتفي الكتاب بالشعر، بل يروي قصصًا في مطلع كل نص. ومثال ذلك:
عند بوابات «الأندلس»، اصطدم نظره بحضورها، وتلاشت الكلمات.
سبع سنوات عاش فيها الشوق، سبع سنوات كان ينتظرها.
هنا تبرز خاصية السرد القصصي داخل القصيدة، تجعل القارئ يعيش اللحظة كأنها رواية قصيرة، دون أن يغادر الإطار الشعري.
لغة فائق عبدالجليل: بين البلاغة والموسيقى
تتميز لغة عبدالجليل في هذا العمل بما يلي:
- استعارات حية: مثل “ذرات الوقت”، “رصاصة حب”، “نغمة عشق في قلب قيثارة”.
- بناء تركيبي متوازن: يحرص على انسجام المعنى مع الموسيقى الداخلية.
- انسياب في الوزن: من دون تقيد صارم بالعروض، بل بطريقة عفوية تشبه الغناء العاطفي.
اللغة في هذا الديوان ليست مجرد أداة، بل كائن حي يشارك الشاعر حنينه وهمسه.
أهمية العمل والشكل الفني
يتفرد الكتاب بأنه تجربة حب كاملة:
- كل قصيدة تحمل قصة، وكل قصة تنتهي بندبة حب.
- لا فواصل جافة بين القصائد، بل جمل انتقالية ناعمة تجعل الكتاب متواصلاً.
- استخدام متقن للرمزية، خاصة من خلال “العصفور” كرمز للحرية والحب والقلق.
بهذا، يتحول “حب العصافير” إلى ديوان يقرأ وكأنه سيرة وجدانية لحالة حب لا تنطفئ.
ردود فعل القراء والنقد
لاقى الكتاب تفاعلاً إيجابيًا من النقاد والقراء. حيث وُصف بـ:
- “قصائد تحلق بعيدًا عن سطح الكلمات، وتغوص في عمق الشعور.”
- “تجربة جديدة لفائق، تعيد الاعتبار للفصحى الغنائية.”
- “ديوان صادق، يحمل نغمة وفاء للحب رغم الغياب.”
وقد لاحظ بعض القراء أن عبدالجليل استخدم صوتًا جديدًا، أقل غنائية مما اعتاد عليه جمهوره، وأكثر تركيزًا على البوح الإنساني.
محطات بارزة داخل الكتاب
يمكن ترتيب أبرز اللحظات الشعرية كما يلي:
المحطة | التفاصيل |
---|---|
اللقاء الأول | “اصطدمت عيناه بابتسامتها…” |
سنوات الانتظار | “سبع سنوات وبكى سبع سنوات” |
قمة العشق | “نغمه عشق في قلب قيثارة” |
الخاتمة الحزينة | “غادرت قبل أن أقبّل وداعها…” |
تكرار هذه المحطات يوحي بأن الشاعر لم يكتب نصًا واحدًا، بل حلقات ضمن حب واحد.
الإنسان خلف النص
فائق عبدالجليل، الشاعر الكويتي المعروف، هو أيضاً أسير تجربة وجدانية طويلة. يبدو أن “حب العصافير” ليس مجرد ديوان، بل كراسة اعتراف، كتبها بيد مرتعشة وقلبٍ لم يُشفَ بعد.
الشاعر هنا هو العاشق، هو الضحية، هو الراوي والمسرح والشخصيات. لا فصل بين الذات والنص، كل ما فيه هو هو.
خاتمة: «حب العصافير»—سيرة حب لا تنتهي
من أول لقاءٍ عاطفي إلى إعادة صياغة الفصحى بلغة الموسيقى، تنسج الكلمات حضورًا يجعل القارئ يطير بعالم العشق، يستمع إلى أغنية العصفور، ويتردد صداها داخل نفسه.
هو سرد نثري وشعري، يبث فينا سؤالًا: هل للحب جناحان؟
الجواب هنا: نعم. جناح اللغة الفصيحة، وجناح المشاعر الحرة.
لمعرفة المزيد: من الأندلس إلى الخليج… طيور الحب تغني بفم فائق عبدالجليل