سير

سيلما لاجرلوف: أول امرأة نوبلية في الأدب وحارسة الأسطورة السويدية

في زقاق ضيق من شوارع ماربّاكا الريفية في سويد القرن التاسع عشر، وُلد حلم صغير سيكون له صدى عالمي، فتكبر سيلما أوتيليا لويزا لاجرلوف (Selma Lagerlöf) لتصبح أول امرأة تفوز بجائزة نوبل في الأدب. بحبها العميق للقصص والفولكلور الذي زرعه جدها في قلبها، انطلقت إلى عالم الأدب بفارسها الروائي الأول Gösta Berlings Saga (1891)، لتتوج عام 1909 بجائزة نوبل “تقديراً للمثالية الرفيعة والخيال الحي والإدراك الروحي الذي يميز كتاباتها”. رحلة بدأت في بيت صغير وانتهت بتاريخ أدبي خالد.

 من أحلام الطفولة إلى ضوء الجائزة

وُلدت سيلما لاجرلوف في 20 نوفمبر 1858 في مزرعة مالبّاكا بمنطقة فِيرملاند، وسط عائلة متواضعة. رغم إصابتها بشلل جزئي في الساق، احتفظت بفضول استثنائي للقصص. جدتها كانت تروي لها الأساطير الشعبية السويدية، مما غذّى خيالها المبكر. وعندما بلغت السابعة، قررت: “سأكون كاتبة” بعد قراءة رواية Osceola للكاتب Thomas Mayne Reid. 

 

النشأة والطفولة: بزوغ البذور الأولى

نشأت سيلما في منزل والدها الضابط وأمها المهتمة بالثقافة. تلقت تعليمها في المنزل بسبب مرضها، وتعلمت الإنجليزية والفرنسية، وتأثرت كثيرًا بأمها وجدتها اللتين زرعتا فيها حب القصص الشعبية والخيال اللامحدود. رغم إعاقتها المؤقتة، كان للسرد وقع السحر في تشكيل شخصيتها.

 التعليم والمسار الأكاديمي

في عام 1881، التحقت بكلية المعلمات في ستوكهولم وتخرجت منها عام 1885. بعدها عملت مدرسة في بلدة لاندسرونا حتى عام 1895. خلال تلك السنوات، بدأت تكتب القصص والشعر، وفازت عام 1890 في مسابقة لمجلة Idun، ما منحها الدعم المعنوي والمالي اللازم لنشر أول رواية لها.

 الانطلاقة الأدبية

في عام 1891 صدر Gösta Berlings Saga، رواية خيالية مبنية على الفولكلور السويدي، أبدعت فيها لاجرلوف باستخدام الأسطورة كوسيلة لمقاومة الواقعية الأدبية السائدة. لاحقًا أصدرت Antikrists mirakler عام 1897 بعد زيارتها لإيطاليا، ثم Jerusalem (1901–1902) المستلهمة من قصة مهاجرين سويديين. أما أشهر أعمالها عالميًا فكان The Wonderful Adventures of Nils (1906–1907)، رواية تربوية للأطفال سافرت من خلالها عبر خيال طفل يطير على ظهر إوزة فوق خريطة السويد.

 إنجازات أدبية بارزة

  • Gösta Berlings Saga (1891): عملها الأول والأكثر ثورية، ومفتاح شهرتها.
  • Jerusalem (1901–1902): قصة ملحمية دينية وإنسانية.
  • The Wonderful Adventures of Nils (1906–1907): كتاب تعليمي للأطفال بلغ شهرة واسعة.
  • Löwensköld trilogy (1925–1928): ثلاثية تاريخية سلطت الضوء على المجتمع السويدي.

 جائزة نوبل: تتويج أدبي تاريخي

في 10 ديسمبر 1909، أصبحت سيلما لاجرلوف أول امرأة تفوز بجائزة نوبل في الأدب، وأول سويدية تتلقى هذا الشرف. منحها الأكاديمية الجائزة تقديرًا لـ”مثالية كتاباتها، وعمق خيالها، وسِعة إدراكها الروحي”. استخدمت جزءًا من المكافأة لإعادة شراء مزرعة ماربّاكا التي اضطرت عائلتها لبيعها سابقًا.

 التحديات التي واجهتها

واجهت سيلما تحديات صحية منذ الطفولة، منها الشلل المؤقت في الساق. كما عانت من مشاكل مالية بعد وفاة والدها، واضطرت عائلتها لبيع منزلها. إلا أن مثابرتها ودعم أخيها وحبها العميق للأدب كانا كفيلين بإطلاق شرارة التغيير. كانت أيضًا من أوائل النساء اللاتي اقتحمن المجال الأدبي في مجتمع محافظ.

 الجوائز والتكريمات

  • 1909: جائزة نوبل في الأدب.
  • 1911: دكتوراه فخرية من جامعة أوبسالا.
  • 1914: أول امرأة تُنتخب لعضوية الأكاديمية السويدية.
  • صورتها وُضعت على ورقة الـ20 كرون سويدية.
  • تُمنح “جائزة سيلما لاجرلوف الأدبية” تكريمًا لها منذ عام 1984.

الجانب الإنساني

كانت سيلما مدافعة عن حقوق النساء والسلام. خلال الحرب العالمية الثانية، تبرعت بميدالية نوبل الخاصة بها لصالح فنلندا. كما ساندت اللاجئين الفارين من النازية، وكتبت عن المساواة والعدالة الاجتماعية.

 أعمال السيرة والسنوات الأخيرة

كتبت لاجرلوف سيرتها الذاتية في سلسلة من ثلاثة أجزاء بعنوان Mårbacka (1922–1932)، وهي تأملات في طفولتها ونشأتها. استمرت في الكتابة حتى وفاتها في 16 مارس 1940، تاركة وراءها إرثًا أدبيًا عميقًا وشخصية ألهمت أجيالاً من الكاتبات بعدَها.

الخاتمة

تمثل سيلما لاجرلوف شخصية فريدة جمعت بين الخيال الأدبي والالتزام الإنساني. إنجازها كأول امرأة تفوز بنوبل ليس مجرد لحظة تاريخية، بل شهادة حية على قوة الأدب حين يتحالف مع الموهبة والإرادة. قصتها تقول لنا:

مهما كانت العوائق، فإن الحلم يمكن أن يصبح حقيقة حين نؤمن به، ونحميه بالكلمة والخيال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى