قوتك على التغيير – شيخة راشد: رحلة استعادة الذات من الداخل إلى الخارج

في عالمٍ تسوده السرعة، وتتوالى فيه التحديات النفسية والاجتماعية والمهنية، يبقى التغيير أحد أكثر المفاهيم التي يلهث الناس وراءها، لكن قلّ من يفهمها. ومن بين كُتب تطوير الذات الصادرة حديثًا، يبرز كتاب “قوتك على التغيير” للمؤلفة الإماراتية شيخة راشد (2024) كدليل تحفيزي متكامل، يربط بين التحفيز النفسي، وتنمية الوعي الذاتي، والخطوات العملية للوصول إلى نسخة أفضل من الذات.
الكتاب لا يَعِدك بنتائج سريعة أو وصفات سحرية، لكنه يُمسك بيدك ويأخذك خطوة بخطوة نحو التغيير الحقيقي، الذي يبدأ من الداخل قبل أن ينعكس على العالم الخارجي.
من هي شيخة راشد؟ صانعة التغيير
شيخة راشد هي مدربة تطوير ذات وخبيرة في التحول السلوكي. لها حضور ملحوظ في مجال التمكين الشخصي وقيادة ورش العمل التي تُعنى بالارتقاء بالذات. تنتمي شيخة إلى جيل من الكاتبات العربيات اللواتي يملكن أسلوبًا مبسطًا، عاطفيًا، واقعيًا. في كتابها “قوتك على التغيير”، تنقل عصارة تجربتها في التعامل مع مئات الحالات التي تتنوع بين نساء يبحثن عن الشجاعة، ورجال عالقين في علاقات منهكة، وشباب تائهين بين الشغف والخوف.
بنية الكتاب: من الفوضى إلى التوازن
يتكون كتاب “قوتك على التغيير” من عدة فصول قصيرة، تشبه المحطات التي يجب أن يمر بها كل من يقرر مغادرة منطقة الراحة والانطلاق في رحلة جديدة مع نفسه. تبدأ شيخة بفصل تأسيسي حول مفهوم التغيير، ثم تتدرج نحو:
- الوعي بالمعتقدات الداخلية
- التحرر من القيود النفسية
- النية كأداة للتوجيه
- إعادة برمجة الذات
- التأمل والامتنان
- مواجهة التردد والخوف
- الانضباط والالتزام
- الاستمرارية وصيانة التغيير
كل فصل يتضمن قصة قصيرة، تمرينًا عمليًا، وتأملًا موجّهًا، ليكون الكتاب دليلاً تفاعليًا لا مجرد محتوى نظري.
الفهم العميق للذات: نقطة الانطلاق
في الفصول الأولى، تطرح المؤلفة سؤالًا وجوديًا حاسمًا:
هل أنت تعيش حياتك، أم تكرّر أنماطًا ورثتها عن الآخرين؟
تدعو القارئ لتأمل عاداته، سلوكياته، وحتى مشاعره، ليس من باب جلد الذات، بل لفهم البرمجة الداخلية التي تشكّلت عبر سنوات الطفولة والمحيط.
توضح الكاتبة أن 80% من قراراتنا تُدار من لاوعينا، وهو ما يجعل التغيير أمرًا صعبًا إذا لم نعيد صياغة هذا اللاوعي. وهنا تأتي أهمية التمرينات الكتابية مثل “مذكرة التكرار” و”مرآة الحديث الذاتي”.
كسر القيود الداخلية: مواجهة المعتقدات السامة
في أحد أكثر الفصول تأثيرًا، تناقش شيخة راشد المعتقدات المقيدة، مثل:
- “أنا لا أستحق النجاح”
- “التغيير صعب”
- “الناس لا تتغير”
تدعونا للتشكيك بهذه الأفكار، لا عبر الرفض فقط، بل من خلال مواجهتها بالحقائق. تقدم تمرينًا رائعًا بعنوان “بطاقة المعتقدات”، حيث يُطلب من القارئ كتابة كل معتقد سلبي لديه، ومقابل كل واحد، البحث عن 3 مواقف حياتية تثبت العكس.
في داخل كل إنسان سجين صامت، لا ينتظر أكثر من شخص يصدّق أنه قادر على التحرر.
النية: البذرة الأولى للتغيير
النية في هذا الكتاب ليست فقط “الرغبة”، بل هي توجيه واعٍ للطاقة والسلوك. تقول الكاتبة:
النية هي الجسر بين من أنت الآن، ومن ترغب أن تكون.
تُدرّبنا على كتابة “نية اليوم” كل صباح، وربطها بالشعور المطلوب، كأن تقول:
“أنوي اليوم أن أكون هادئًا، أن أتصرف بثقة، أن أُعبّر عن نفسي بدون خوف.”
هذا التمرين يخلق حالة من الاتساق الداخلي، ويحوّل التغيير من فكرة عائمة إلى ممارسة يومية.
أداة الكتابة: علاج صامت
الكتابة حاضرة في كل فصل تقريبًا. تؤمن المؤلفة أن الكتابة ليست وسيلة تعبير فحسب، بل هي أداة شفاء.
تقترح تمرينات مثل:
- يوميات الامتنان: اكتب 3 أشياء تشعر بالامتنان لها يوميًا.
- رسالة لنفسي القديمة: تمرين يحرر القارئ من الذنب والخوف.
- خطاب للنسخة المستقبلية: لبناء صورة ذهنية مشجعة عن التغيير.
التأمل والهدوء: مواجهة الضوضاء الداخلية
في فصل بعنوان “الهدوء قوة”، تشرح شيخة راشد كيف يمكن للتأمل أن يصبح أداة بسيطة ومجانية لتخفيف التوتر وتعزيز الصفاء. لا تُقدّم التأمل كطقس صوفي بعيد، بل كعادة يومية يمكن أن تبدأ بدقيقتين.
تقترح تقنية “4×4” (أربع شهيق، أربع زفير) لتصفية الذهن، وتدعو القارئ إلى تخصيص “ركن تأمل” صغير في المنزل، يعزز طاقة التغيير ويُربط بشعور السكينة.
الالتزام والانضباط: عماد الاستمرارية
ترى شيخة أن الحماس يُطلق شرارة التغيير، لكن الالتزام وحده هو من يحفظ له استمراريته. لذلك، تُفرد فصلًا لأهمية العادات الصغيرة، وتدعو القارئ لتطبيق قاعدة:
1% تحسن يوميًا = حياة مختلفة خلال عام.
وتوضح أن العادة لا تحتاج لأكثر من:
- نية واضحة
- وقت محدد وثابت
- مكافأة صغيرة
الانتكاسات ليست فشلًا
بحكمة المدرب المتمرس، تذكر شيخة راشد القراء بأن الانتكاسات جزء من الطريق، وأن الرجوع للخلف لا يعني الهزيمة. في هذا السياق، تقدم مفهوم “الانحناء الواعي”، أي تقبّل لحظات الضعف دون الاستسلام لها.
كل موجة انسحاب هي استعداد لموجة صعود، بشرط ألا تفك عقدتك الداخلية.
من أنت بعد التغيير؟
في نهاية الكتاب، تدعو المؤلفة القارئ للجلوس مع نفسه والتفكر:
“من أصبحت؟ ماذا تغير فيّ؟ ما الذي لم أعد أقبله؟ وما الذي سأُكمل بناءه؟”
هنا تُفعل “قوة التأكيد”، وتطلب من القارئ كتابة 10 جُمل تعكس نسخته الجديدة.
مثل:
- أنا أستحق الحب والتقدير.
- أُحب نفسي كما هي وأعمل على تطويرها.
- أتخذ قراراتي بشجاعة ووضوح.
تقييم الكتاب: هل يستحق القراءة؟
مناسب للمبتدئين في مجال تطوير الذات.
يعتمد على أسلوب تطبيقي سهل ومباشر.
يخاطب القارئ بلغة إنسانية خالية من التعقيد.
يجمع بين الفكرة والتأمل والتمرين العملي.
يحفّز على الاستمرارية لا الإنجاز اللحظي.
اقتباسات بارزة من الكتاب
لن يُغيّر أحدٌ حياتك إن لم تكن أنت البادئ.
ما تكرره لنفسك يوميًا، هو ما تُصبح عليه غدًا.
كل تأجيل هو رسالة ضمنية من عقلك أنك لا تستحق التغيير.
خاتمة: هل أنت مستعد؟
يُختتم كتاب “قوتك على التغيير” برسالة مباشرة:
لا تنتظر إشارة من العالم. أنت الإشارة. ابدأ اليوم، ولو بخطوة واحدة.
وبهذا، تُغلق الكاتبة دائرة الكتاب، لتفتح دوائر جديدة في حياة كل من قرأه بإرادة وصدق.
لمعرفة المزيد: قوتك على التغيير – شيخة راشد: رحلة استعادة الذات من الداخل إلى الخارج