كتب

الذكاء العاطفي في بيئة العمل: القيادة بالقلب قبل العقل

✦ مقدمة: حين تتقاطع المشاعر والإدارة

هل فكرت يومًا لماذا يفشل القادة الأكثر تفوقًا أكاديميًا في إدارة فرقهم؟ ولماذا ينجح البعض في بناء فرق متماسكة رغم تواضع مؤهلاتهم التقنية؟ الجواب يكمن في منطقة نادراً ما يتناولها التعليم التقليدي أو الدورات الإدارية: الذكاء العاطفي.

في عالم الأعمال الحديث، لم يعد النجاح قائمًا على الذكاء العقلي (IQ) فقط، بل على الذكاء العاطفي (EQ)، الذي يشكل العمود الفقري للتواصل الفعال، القيادة الحكيمة، وإدارة العلاقات داخل بيئة العمل.

ومن هذا المنطلق، تقدم الكاتبة إلهام محمد أمين العتر كتابًا رائدًا باللغة العربية بعنوان:
“الذكاء العاطفي في بيئة العمل: مهارات ذاتية واجتماعية إنسانية للقيادات الواعدة”، صدر عام 2024، ليكون بمثابة دليل عملي وإنساني لكل من يتولى مسؤولية القيادة أو يطمح إليها.

✦ الكاتبة: صوت عربي للقيادة العاطفية

إلهام العتر ليست مجرد باحثة أو مؤلفة، بل خبيرة في التطوير القيادي تحمل رؤى متجذرة في الواقع المهني العربي. تجمع بين الخبرة الأكاديمية والممارسة الميدانية، ما يجعلها قادرة على تقديم محتوى يُحاكي احتياجات المديرين، والمعلمين، ورواد الأعمال، وفرق العمل في مختلف البيئات.

كتابها هذا لا يكرر أطروحات الغرب، بل يعيد صياغة مفاهيم الذكاء العاطفي في قالب عربي الهوية، عالمي الرؤية، فيعالج التحديات المهنية بأسلوب سهل، عميق، وإنساني.

✦ الذكاء العاطفي: مفهوم يتجاوز التعاطف

تعريف الذكاء العاطفي في هذا الكتاب لا يقتصر على “التعاطف”، بل يشمل:

  • الوعي بالمشاعر الذاتية.
  • إدارة الانفعالات السلبية.
  • فهم مشاعر الآخرين.
  • توجيه العواطف نحو تحقيق الأهداف.
  • خلق بيئة عمل إنسانية وفعّالة.

تقدم العتر الذكاء العاطفي كـ”أداة قيادية” لا تقل أهمية عن المهارات التقنية. بل تؤكد أنه في زمن الأزمات، يظهر الفارق الحقيقي بين القائد المتزن والقائد المتسلط.

✦ الذكاء العاطفي في ساحة العمل: لماذا هو ضروري؟

▪ لأن بيئة العمل مليئة بالتوتر:

المواعيد النهائية، ضغوط الأداء، الصراعات الشخصية، عدم اليقين… كلها عوامل تُفجّر الانفعالات وتؤثر على العلاقات المهنية. بدون الذكاء العاطفي، تتحول هذه العوامل إلى ألغام عاطفية تؤدي إلى تفكك الفرق، وانهيار التواصل.

▪ لأن القائد يتعامل مع بشر لا مع آلات:

القيادة ليست إصدار أوامر، بل فهم دوافع الأفراد، احترام مشاعرهم، ومساعدتهم على تجاوز العقبات. الذكاء العاطفي يمكّن القائد من قراءة ما بين السطور، والاستماع لما وراء الكلمات.

▪ لأن التغيير أصبح مستمرًا:

في عصر التحول الرقمي، وبيئات العمل الهجينة، يتطلب الأمر قادة قادرين على إدارة القلق، وطمأنة الفرق، وإلهامهم نحو التكيّف والإبداع.

✦ الركائز الخمس للذكاء العاطفي القيادي

1. الوعي الذاتي

الخطوة الأولى نحو الذكاء العاطفي هي معرفة الذات. ما الذي يُغضبك؟ متى تكون أكثر إنتاجية؟ كيف يتغير سلوكك تحت الضغط؟ تقول العتر:

“القائد الذي لا يعرف نفسه، لا يمكنه قيادة الآخرين.”

تشدد الكاتبة على أن الاعتراف بالمشاعر لا يعني الضعف، بل هو أول مراحل السيطرة.

2. التحكم الذاتي

المهارات التقنية تفقد قيمتها إذا كنت سريع الغضب، أو مترددًا، أو مندفعًا. هنا يأتي دور تنظيم الانفعالات، خاصة في اللحظات الحرجة. تقدم الكاتبة تمارين وتمثيلات واقعية لتقوية هذا الجانب.

3. الدافعية الداخلية

القائد العاطفي الناجح لا ينتظر الإشادة، بل يندفع ذاتيًا نحو التميز. تحفزه القيم، والرؤية، والالتزام. توضح العتر أن القادة الملهمين هم من يتصرفون بدافع “المعنى”، لا المكافآت فقط.

4. التعاطف

الفرق بين المدير والقائد هو القدرة على فهم الآخر. التعاطف لا يعني الموافقة الدائمة، بل الاستماع الفعّال، ومحاولة إدراك مشاعر وظروف الطرف الآخر. التعاطف يصنع الولاء، ويبني الثقة، ويحل النزاعات بسلام.

5. المهارات الاجتماعية

تشمل: القدرة على بناء العلاقات، التعامل مع الأنماط المختلفة من الشخصيات، التفاوض، الإقناع، التحفيز، والعمل الجماعي. وتوضح الكاتبة أن هذه المهارات ليست “هبة”، بل يمكن تعلّمها وتطويرها من خلال الممارسة.

✦ مواقف من الواقع: عندما يفشل الذكاء التقني ويُنقذك الذكاء العاطفي

في فصل مثير، تسرد الكاتبة قصصًا من الواقع العملي. أحدها:

قائد فريق في شركة تقنية فشل في احتواء غضب أحد موظفيه الموهوبين، الذي كان يشعر بالإهمال. وبدلاً من الحوار، رد القائد بجفاء وتهديد، فاستقال الموظف، ما كبّد الشركة خسائر في مشروع حيوي.

وتُعلّق العتر:

“لو أن القائد استخدم ذكاءه العاطفي لاكتشف حاجات الموظف النفسية، ولبقي ضمن الفريق.”

قصص من هذا النوع تُضيء أهمية الذكاء العاطفي كأداة وقائية وقيادية في آنٍ واحد.

✦ أدوات وتطبيقات عملية

الكتاب لا يكتفي بالتنظير، بل يقدّم أدوات عملية، منها:

  • اختبارات ذاتية لقياس الذكاء العاطفي.
  • تمارين تعزيز الوعي الذاتي.
  • تقنيات إدارة المشاعر في الأزمات.
  • نماذج لتحليل الشخصيات داخل الفريق.
  • خرائط ذهنية للتواصل العاطفي الفعّال.

هذه الأدوات تجعل القارئ يشعر أن الكتاب أقرب إلى دورة تدريبية شاملة منه إلى كتاب تقليدي.

✦ ماذا يميز هذا الكتاب عن غيره؟

  1. لغة مبسطة، عميقة: تناسب القارئ غير المتخصص، دون إهمال التحليل العميق.
  2. سياق عربي واضح: كثير من الكتب تُترجم دون اعتبار للسياق، أما العتر فتعيد صياغة المفاهيم بما يتناسب مع ثقافتنا.
  3. محور إنساني: ترى القيادة بوصفها علاقة إنسانية قبل أن تكون مسؤولية إدارية.
  4. تركيز على القيادات الناشئة: يستهدف الكتاب الجيل الجديد من القادة الذين يبحثون عن أدوات غير تقليدية للنجاح.

✦ لمن هذا الكتاب؟

  • لكل قائد فريق أو مدير يبحث عن استدامة النجاح.
  • لكل طالب أو موظف طموح يسعى لفهم ذاته وتطوير علاقاته.
  • لكل شركة أو مؤسسة تهتم ببناء ثقافة عمل صحية.
  • لكل مدرّب أو مستشار موارد بشرية.

✦ في ختام الرحلة: القيادة تبدأ من الداخل

في سطورها الأخيرة، تُذكّر الكاتبة القرّاء أن القيادة لا تبدأ من المكتب، ولا من الاجتماعات، بل من الداخل… من “ذات القائد”.

وتكتب في إحدى أجمل فقرات الكتاب:

“القائد الحقيقي لا يُقاس بقدرته على السيطرة، بل بقدرته على الإصغاء، والتفهّم، واحتضان التنوّع… الذكاء العاطفي ليس مهارة فنية، بل حالة إنسانية.”

✦ تقييم عام:

  • اللغة: واضحة وسلسة.
  • الأسلوب: تطبيقي، قصصي، تحليلي.
  • القيمة: عالية لكل من يعمل أو يدير فرقًا.
  • الابتكار: يجمع بين مدارس علم النفس الإيجابي والتجربة القيادية الواقعية.
  • المحتوى: متوازن بين النظرية والتطبيق.

 

لمعرفة المزيد: الذكاء العاطفي في بيئة العمل: القيادة بالقلب قبل العقل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى