قصة اختراع الورق
قبل صناعة الورق، كان البشر يكتبون على الألواح، والأواني الفخارية، والحجارة، وعظام الحيوانات، وأوراق النبات، والجلود؛ وقد صنع السومريون في جنوب بلاد ما بين النهرين أقراصاً طينية، وتركوها تجف، من أجل الكتابة عليها.
من ناحية أخرى، طوّر المصريون القدماء الكتابة على لحاء نبات البردي، الذي انتقل منها إلى اليونان، ثم إيطاليا القديمة. ومع استهلاكٍ عالمي يصل إلى أكثر من 400 مليون طنٍّ اليوم، يُعتبر الورق أحد أبرز اختراعات الصين قبل قرنين تقريباً.
صُنِعَ للمرة الأولى في العام 105، على يد مسؤولٍ في البلاط الصيني يُدعى (تساي لون)، وقد أعدَّه في البداية عبر خلط لحاء شجر التوت والقنب، مع خِرَق القماش بالماء.
كان (تساي) بعد ذلك يسحق المكوّنات ليكوّن عجينة، ويُعلِّقها حتى تجف، وتصبح صحفاً رقيقة، وهو ما أصبح تباعاً الورق الذي يمكننا الكتابة عليه.
غيَّر هذا الاكتشاف تقنيات الكتابة السابقة على أوراق نبات البردي، فانتشر الورق تدريجياً في أرجاء العالم، حتى دخل أوروبا بحلول القرن الـثالث عشر. وفي القرن الـتاسع عشر، أصبح الورق المصنوع من الخشب هو القاعدة.
كانت الصين تحتفظ بسر صناعة الورق، وتعتبره سراً من أسرار الدولة، لكن مع تقدّم الزمن نقل المسلمون التقنية الصينية وطوّروها لتصبح صناعة كبرى، ولعبوا دوراً كبيراً في تعميم الصناعة ونقلها إلى أوروبا، مما مهد الطريق أمام ثورة الطباعة.
انتقلت صناعة الورق إلى العرب، عندما وقع صنّاع صينيون في الأسر بيد العرب، مع سقوط سمرقند عام 705، ساهموا بإنشاء أول معملٍ لصناعة الورق في سمرقند. وبعد ذلك بفترة قصيرة، انتقلت صناعة الورق إلى خراسان.
تعلّم العرب فن صناعة الورق، وازدهرت مصانع الورق في أنحاء العالم الإسلامي. وفي بغداد عرف العرب صناعة ورقة أكثر سمكاً، كما أصبحت الطواحين -التي تعمل عبر الطاقة المائية- عاملاً مهماً في إنتاج الورق بشكلٍ أسرع.
لاحقاً جرى تصنيع الورق الدمشقي في الشام والحجاز، بداية القرن الثامن، وكذلك صناعة الورق من الكتان والقنب في المغرب العربي.
وفي القرن التاسع، أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بالتوسّع في إنتاجه بسمرقند واستخدامه في المجمعات العلمية والدواوين ببغداد، لينهي استخدام الرق وورق البردي.
انتعشت صناعة الورق في عهد المنصور، ونقلها الخليفة هارون الرشيد إلى بغداد التي أنشأ فيها مصانع الورق بعد أن أثبتت فعاليتها. وقد أُنشئت أول ورشة لصناعة الورق في بغداد خلال فترة وزارة الفضل بن يحيى البرمكي.
لم تعرف أوروبا الورق قبل القرن الـثالث عشر، وكذلك أمريكا التي عرفته في القرن الـسادس عشر.
فبعد أن غزا العرب إسبانيا، أدخلوا إليها صناعة الورق. ومن إسبانيا انتقلت صناعة الورق إلى أوروبا عن طريق البحر الأبيض المتوسط، في الوقت الذي انتقلت فيه من بلاد الشام إلى إيطاليا، حيث أُنشئت أول طاحونة هواء لصناعة الورق عام 1276.
المصدر: عربي بوست