كتب

"أنقذوا الأرض" – أمل جديد لعالمنا الجريح

في عالم يمضي بخطى متسارعة نحو الهاوية البيئية، تتعالى الأصوات القلقة من تغيّر المناخ ودمار النظم البيئية وتآكل الموارد الطبيعية. لكن من بين تلك الأصوات، ينبثق صوت مختلف، صوت عالمة مناخ لا تنطق بلغة الخوف بل بلغة الأمل. هذا هو صوت كاثرين هايهو، التي جاءت بكتابها المؤثر “أنقذوا الأرض: نموذج ملهم لعالمة مناخ تعطينا الأمل كما تمنح كوكب الأرض فرصة للتعافي في ظل عالم منقسم” لتطرح رؤية جديدة لما يمكن أن نفعله – نحن البشر – لإنقاذ كوكبنا الوحيد.

من هي كاثرين هايهو؟

قبل أن نخوض في عمق كتابها، علينا أن نعرف من هي المؤلفة.

كاثرين هايهو ليست فقط عالمة مناخ مرموقة، بل هي أيضًا أستاذة في العلوم السياسية، ومديرة مركز المناخ في جامعة تكساس التقنية. تنتمي هايهو إلى خلفية علمية قوية، لكنها تتميز بقدرة نادرة: القدرة على التواصل، على تبسيط الحقائق دون أن تفرّغها من معناها، وعلى تحويل الأرقام والنماذج المعقّدة إلى حوارات إنسانية مؤثرة.

كاثرين، التي نشأت في كندا وتعيش اليوم في الولايات المتحدة، ليست من النوع الذي يصرخ “نهاية العالم قريبة”، بل تفضّل أن تسأل: “كيف يمكننا أن نُحدث فرقًا؟” وهذا هو جوهر كتابها.

لماذا كتبت “أنقذوا الأرض”؟

عاشت هايهو سنوات طويلة وهي تشعر بالإحباط من الطريقة التي يُقدَّم بها الحديث عن تغيّر المناخ. كان الخطاب العام إما مشحونًا بالخوف المفرط أو مملوءًا بالإنكار. لاحظت أن الحقائق وحدها – مهما كانت صادمة – لا تغيّر القلوب ولا تحرّك الأفعال.

من هنا، أرادت هايهو أن تغيّر المقاربة: بدلًا من أن تسأل الناس ماذا تعرفون عن تغيّر المناخ؟، بدأت تسألهم: ما الذي تهتمون به؟ – من الأسرة، إلى الدين، إلى الرياضة، إلى الاقتصاد. ثم تربط بينهم وبين الكوكب، فتفتح نوافذ للوعي، وليس جدرانًا للخوف.

 

الكتاب في سطور: العلم، الأمل، والقصص الإنسانية

ينقسم كتاب “أنقذوا الأرض” إلى مجموعة من الفصول التي تُبنى على مزيج متوازن بين العلم الصلب والسرد الشخصي، بين النماذج المناخية والقصص الإنسانية. يتحدث الكتاب عن الحقائق العلمية المتعلقة بالمناخ، لكن بأسلوب مبسط ومدعوم بأمثلة قريبة من الحياة اليومية.

1. أزمة حقيقية… لكنها ليست النهاية

في الفصول الأولى، تستعرض هايهو الأدلة العلمية القاطعة على تغيّر المناخ: من ارتفاع درجات الحرارة، إلى ذوبان الأنهار الجليدية، إلى الأعاصير والحرائق والفيضانات. لكنها تُذكّر القارئ أن هذه ليست إشارات نهاية، بل نداءات تحذيرية ما زالت في متناول الإصلاح.

إن الكوكب يعاني – نعم – لكننا لم نخسر كل شيء. كل درجة حرارة نمنعها من الارتفاع، وكل تصرف بيئي نتبناه، قد يصنع الفرق بين بقاء نظام بيئي واختفائه.

2. الخوف لا يغيّر شيئًا

تقول هايهو إن ضخ الخوف وحده في النقاشات البيئية يأتي بنتائج عكسية. كثير من الناس – عند سماعهم عن نهاية العالم البيئية – يختارون تجاهل الموضوع أو التشكيك فيه، لأنهم يشعرون بالعجز.

لذا، تدعو المؤلفة إلى اعتماد لغة الأمل، مع الاعتراف بالخطر. نحن لسنا ضحايا، تقول، بل فاعلون. نحن نملك القدرة على قلب المعادلة.

3. الحديث هو بداية التغيير

من أكثر النقاط التي تشد الانتباه في الكتاب هي دعوة كاثرين للحوار. “تحدثوا عن المناخ”، تقول، “ليس لأنكم تملكون كل الأجوبة، بل لأن الصمت أخطر من الجهل”.

تحكي كيف أن محادثة صادقة مع جارٍ متشكك، أو مع زميل لا يثق في العلماء، يمكن أن تُحدِث شرارة تغيير. ليست مهمتنا أن نقنع الجميع في لحظة، بل أن نزرع بذرة التفكير.

الأمل كأداة علمية

في كثير من الفصول، تحوّل كاثرين الأمل من مجرد مشاعر إلى استراتيجية واقعية. تخبرنا بقصص من المجتمعات المحلية التي طبّقت حلولًا بيئية بسيطة لكنها فعّالة: من تركيب الألواح الشمسية، إلى إعادة التدوير، إلى دعم الزراعة المحلية، وحتى بناء مدارس صديقة للبيئة.

ترى أن التغيير الحقيقي يبدأ على مستوى محلي جدًا، من الحي، من الحيّ الصغير، من الفعل اليومي، من اختيارك للوسيلة التي تتنقّل بها أو لما تشتريه من السوق.

كما تبرز جانبًا مهمًا من التغيير السياسي؛ إذ تشجّع القراء على استخدام أصواتهم في صناديق الاقتراع، وعلى مطالبة ممثليهم باتخاذ مواقف بيئية واضحة.

هل نحن منقسمون حقًا؟

أحد المحاور الأساسية في الكتاب هو أن العالم ليس منقسمًا كما نظن. صحيح أن هناك خلافات أيديولوجية وسياسية، لكن هايهو تقول إن الغالبية الساحقة من الناس تتفق على أهمية حماية الأرض – حتى لو اختلفوا على الوسائل.

هي تؤمن بأننا جميعًا – بغض النظر عن الدين، أو العرق، أو الانتماء السياسي – نحب أبناءنا، ونريد مستقبلًا أفضل. ومن هذه القواسم المشتركة تنطلق لبناء أرضية حوار.

قوة الرواية الشخصية

لا يعتمد الكتاب على الجداول والرسوم البيانية فقط، بل يفيض بالقصص الشخصية. تحكي كاثرين عن تجاربها كعالمة مسيحية، كيف تحدثت في كنائس لم تكن تثق بالعلماء، وكيف استخدمت لغة الدين والأخلاق لإقناعهم بالاهتمام بالبيئة.

تقول: “أحيانًا تكون المحبة أبلغ من المنطق”. وهذا ما يجعل كتابها مميزًا – ليس لأنه يخبرك فقط بما يحدث، بل لأنه يُريك كيف يمكن لكل شخص أن يكون حلًا.

الكتاب كدعوة للتفاؤل الواقعي

رغم كل الحقائق المقلقة التي يسردها الكتاب، فإنه يبقى من أكثر الكتب تفاؤلًا في مجاله. إنه لا يهوّن من الأزمة، لكنه يسلّط الضوء على حلول قابلة للتنفيذ، ويُشعل في القارئ الرغبة في التحرك.

رسالة كاثرين واضحة: “لسنا بحاجة إلى أن نكون علماء لننقذ الأرض، بل بشرًا نملك الإيمان بقدرتنا على التغيير.”

في ختام المطاف: كتاب يُحدث فرقًا

“أنقذوا الأرض” ليس مجرد كتاب عن المناخ، بل هو دليل للتواصل، للتعاطف، للفعل. إنه كتاب يُحدث فرقًا في الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا وعلاقتنا بكوكب الأرض.

هو كتاب للعلماء، وللأمهات، وللمعلمين، وللشباب، ولكل من شعر يومًا بالعجز أمام أزمة المناخ. إنه يهمس في آذاننا: “لستَ وحدك… وهناك أمل”.

 

لمعرفة المزيد: أنقذوا الأرض” – أمل جديد لعالمنا الجريح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى