إدوارد بوخنر: الكيميائي الذي حرر الحياة من قيد الخلية

كان إدوارد بوخنر، الطفل الهادئ ذو النظرة المتأملة، لا يعلم أن قدره سيقوده لاكتشاف يهدم أسطورة “قوة الحياة” ويؤسس لعلم جديد يُعرف اليوم باسم الكيمياء الحيوية.
في عام 1907، حاز بوخنر جائزة نوبل في الكيمياء عن اكتشافه “التخمير بدون خلايا”
مُثبتًا أن الحياة ليست شرطًا للعمليات الحيوية.
النشأة والطفولة: ملامح التكوين
وُلد إدوارد بوخنر في ميونخ، مملكة بافاريا (ألمانيا حاليًا).
كان والده طبيبًا شرعيًا مرموقًا، لكنه توفي عندما كان إدوارد في الثانية عشرة من عمره.
تولى شقيقه الأكبر، هانز بوخنر، وهو عالم بكتيريا بارز، مسؤولية تربيته وتعليمه.
في سن مبكرة، أبدى إدوارد شغفًا بالعلوم، خاصة الكيمياء.
لكن وفاة والده وضعت الأسرة في ظروف مالية صعبة، مما اضطره للعمل في مصنع لتعليب الأغذية.
هناك، تعرف لأول مرة على عملية التخمير، التي ستصبح لاحقًا محور اكتشافه العظيم.
التعليم والمسار الأكاديمي: خطوات نحو القمة
بدأ بوخنر دراسته في الكيمياء عام 1884 تحت إشراف أدولف فون باير، الحائز على نوبل لاحقًا، ودرس علم النبات مع كارل فون نيغيلي في معهد النبات ميونخ.
حصل على الدكتوراه عام 1888 من جامعة ميونخ تحت إشراف تيودور كورتياس.
عمل كمساعد محاضر في مختبر الكيمياء العضوية بجامعة ميونخ، ثم انتقل إلى جامعة كيل عام 1893، حيث عُين أستاذًا في الكيمياء التحليلية والصيدلانية.
في عام 1896، انتقل إلى جامعة توبنغن، حيث بدأ تجاربه الرائدة في التخمير.
الانطلاقة المهنية: أولى خطوات التأثير
في توبنغن، بدأ بوخنر تجاربه التي ستغير فهم العالم للتخمير.
كان يُعتقد أن التخمير يتطلب خلايا خميرة حية، لكن بوخنر أثبت العكس.
في عام 1897، نشر بحثًا يوضح أن مستخلصًا خاليًا من الخلايا يمكنه تحويل السكر إلى كحول.
جدول المحطات الرئيسية في مسيرته:
السنة | الحدث |
---|---|
1888 | الحصول على الدكتوراه من جامعة ميونخ |
1893 | تعيينه أستاذًا في جامعة كيل |
1896 | انتقاله إلى جامعة توبنغن وبدء تجاربه في التخمير |
1898 | تعيينه أستاذًا في جامعة برلين |
1907 | حصوله على جائزة نوبل في الكيمياء |
الإنجازات الثورية: التغيير الحقيقي
في عام 1897، قام بوخنر بسحق خلايا الخميرة مع الرمل والطين، ثم استخلص العصارة الناتجة.
عند إضافة السكر إلى هذه العصارة، لاحظ حدوث التخمير دون وجود خلايا حية.
أطلق على هذا الإنزيم اسم “زيميز” (Zymase).
هذا الاكتشاف دحض نظرية “قوة الحياة” التي كانت سائدة، وأثبت أن التفاعلات الحيوية يمكن أن تحدث خارج الكائنات الحية.
اكتشاف بوخنر فتح أبوابًا جديدة لفهم العمليات الحيوية، وأسس لعلم الكيمياء الحيوية الحديث.
لحظة نوبل: القمة المنتظرة
في 10 ديسمبر 1907، حصل بوخنر على جائزة نوبل في الكيمياء عن “أبحاثه الكيميائية الحيوية واكتشافه التخمير بدون خلايا”.
في خطاب الجائزة، قال البروفيسور الكونت ك. أ. ه. مورنر:
من خلال كل خطوة في هذا الاتجاه، يتضاءل الجانب المحير لعمليات الحياة، بينما تُعطى القوانين الكيميائية تطبيقًا أوسع.
التحديات والإنسان وراء العبقرية
واجه بوخنر تحديات مالية بعد وفاة والده، مما اضطره للعمل في مصنع لتعليب الأغذية.
لكن شغفه بالعلم دفعه للعودة إلى الدراسة.
كما واجه مقاومة من المجتمع العلمي الذي تمسك بنظرية “قوة الحياة”، لكنه أصر على تجاربه حتى أثبت صحة اكتشافه.
الجوائز والإرث: ما تركه للعالم
بالإضافة إلى جائزة نوبل، حصل بوخنر على ميدالية ليبيغ عام 1905.
نشر العديد من الأبحاث، وكان اكتشافه حجر الزاوية في تأسيس علم الكيمياء الحيوية.
اليوم، تُستخدم إنزيمات مستخلصة من خلايا حية في العديد من التطبيقات الصناعية والطبية.
الجانب الإنساني: روح خلف الإنجاز
تزوج بوخنر من لوتي شتال عام 1900، وأنجبا أربعة أطفال.
كان معروفًا بتواضعه وحبه للعلم.
خلال الحرب العالمية الأولى، خدم كضابط طبي في رومانيا، حيث أصيب بجروح قاتلة وتوفي في 13 أغسطس 1917.
ما بعد نوبل: الاستمرار أو الخلود
بعد فوزه بجائزة نوبل، واصل بوخنر أبحاثه في الكيمياء الحيوية.
لكن الحرب العالمية الأولى قطعت مسيرته.
في عام 1997، أطلقت الجمعية الألمانية للكيمياء الحيوية جائزة “إدوارد بوخنر” لتكريم العلماء المتميزين في هذا المجال.
الخاتمة: أثر خالد
من زقاق ضيق في ميونخ إلى منصة نوبل، كانت رحلة إدوارد بوخنر مثالًا على الإصرار والشغف بالعلم.
أثبت أن الاكتشافات العظيمة لا تحتاج إلى مختبرات متقدمة، بل إلى عقل فضولي وروح لا تعرف الاستسلام.
إرثه العلمي لا يزال حيًا، يُلهم العلماء في كل مكان.