استكشاف عالم الروائح: قراءة في كتاب "الروائح" لأحمد فضل شبلول

مقدمة
تُعَدُّ حاسة الشم من أبرز الحواس التي تُمكِّن الإنسان من التفاعل مع بيئته المحيطة، حيث تُسهم في تمييز الروائح المختلفة والتعرف على مصادرها. في هذا السياق، يأتي كتاب “الروائح” للكاتب والشاعر المصري أحمد فضل شبلول، الصادر عام 2023 عن دار “الآن ناشرون وموزعون” في عمّان، ليُسلِّط الضوء على هذا الموضوع الحيوي. يستعرض الكتاب، الممتد على 102 صفحة، مجموعة من الأفكار والمعلومات المتعلقة بالروائح وتأثيراتها المتنوعة على الإنسان والمجتمع.
الشم: نافذة الإنسان إلى العالم
يستهل شبلول كتابه بالتأكيد على أهمية حاسة الشم كوسيلة أساسية لتمييز الأشياء دون الحاجة إلى رؤيتها. فكل ما يحيط بنا يمتلك رائحة مميزة يمكن التعرف عليها من خلالها. ومع ذلك، يشير الكاتب إلى أن قدرة الإنسان على تمييز الروائح محدودة مقارنةً ببعض الفقاريات الأخرى التي تمتلك حاسة شم أكثر تطورًا، مما يدفع الإنسان أحيانًا للاستعانة بهذه الحيوانات، مثل الكلاب، للكشف عن روائح معينة.
الروائح الأساسية: محاولة لفهم التركيب
يتناول الكتاب فكرة أن العلماء يعتقدون بوجود سبع روائح أساسية تتشكل منها جميع الروائح الأخرى، على غرار الألوان الأساسية الثلاثة في عالم الألوان. ورغم استمرار التجارب العلمية في هذا المجال، إلا أنه لم يتم التوصل بعد إلى تحديد دقيق لهذه الروائح الأساسية. يُشير شبلول إلى الجهود المستمرة للوصول إلى ما يُعرف بـ”الشم المرئي”، وهو مفهوم يهدف إلى ربط الروائح بتصورات بصرية محددة.
استخدامات الروائح وتأثيراتها المتعددة
يستعرض شبلول في كتابه الاستخدامات المختلفة للروائح في حياة الإنسان، مشيرًا إلى أن الروائح تلعب دورًا حيويًا في مجالات متعددة، منها:
- الطب والعلاج: حيث تُستخدم بعض الروائح في العلاج بالروائح العطرية (Aromatherapy) لتحسين الحالة النفسية والجسدية.
- الصناعات الغذائية: تلعب الروائح دورًا مهمًا في تعزيز نكهات الأطعمة والمشروبات.
- صناعة العطور ومستحضرات التجميل: تعتمد هذه الصناعات بشكل أساسي على الروائح لجذب المستهلكين.
شيزوفرينيا الشم وبصمة الرائحة
يتطرق الكاتب إلى موضوع “شيزوفرينيا الشم”، وهو اضطراب يتعلق بتشوش حاسة الشم لدى الأفراد، مما يؤدي إلى تداخل الروائح وعدم القدرة على تمييزها بدقة. كما يناقش مفهوم “بصمة الرائحة”، حيث تمتلك كل رائحة تركيبة فريدة يمكن من خلالها التعرف على مصدرها بدقة، وهو ما يُستخدم في مجالات مثل الطب الشرعي والكشف عن الجرائم.
ذاكرة الشم والارتباطات العاطفية
يُبرز شبلول العلاقة الوثيقة بين الروائح والذكريات، حيث يمكن لرائحة معينة أن تستدعي ذكريات محددة أو مشاعر مرتبطة بتجارب سابقة. هذا الارتباط العاطفي بين الروائح والذكريات يُفسَّر بوجود مسارات عصبية تربط بين مراكز الشم والمناطق المسؤولة عن الذاكرة في الدماغ.
الروائح في التراث العربي
يُخصص الكاتب جزءًا من كتابه لاستعراض مكانة الروائح في الثقافة العربية، مشيرًا إلى أن العرب قديمًا أولوا اهتمامًا كبيرًا بالروائح والعطور. فقد استخدموا أنواعًا مختلفة من البخور والعطور في مناسباتهم الاجتماعية والدينية، واعتبروا أن للروائح تأثيرًا مباشرًا على الحالة النفسية والمزاجية للفرد.
الطب والروائح: العلاج بالعطور
يتناول شبلول موضوع “طب الروائح”، حيث يُستخدم العلاج بالروائح كوسيلة لتحسين الصحة النفسية والجسدية. تُستخدم زيوت عطرية مستخلصة من النباتات في هذا النوع من العلاج، ويُعتقد أن لها تأثيرات مهدئة أو محفزة تعتمد على نوعية الرائحة المستخدمة.
الروائح وتأثيرها على السلوك البشري
يستكشف الكتاب كيفية تأثير الروائح على سلوك الإنسان وقراراته اليومية. فعلى سبيل المثال، قد تؤثر رائحة المخبوزات الطازجة في متجر على قرار الشراء، أو قد تُستخدم روائح معينة في بيئات العمل لتعزيز الإنتاجية أو الاسترخاء.
التحديات العلمية في دراسة الروائح
يشير شبلول إلى التحديات التي تواجه العلماء في دراسة الروائح وتصنيفها، نظرًا لتعقيد تركيباتها الكيميائية وتفاوت استجابات الأفراد لها. كما يُبرز الجهود المبذولة لتطوير تقنيات حديثة تساعد في تحليل الروائح وفهم تأثيراتها بشكل أفضل.
خاتمة
يُقدِّم كتاب “الروائح” لأحمد فضل شبلول نظرة شاملة وممتعة على عالم الروائح، مستعرضًا تأثيراتها المتعددة على الإنسان من جوانب علمية، ثقافية، ونفسية. يُسلِّط الكتاب الضوء على الأهمية البالغة لحاسة الشم في حياتنا اليومية، ويُبرز كيف أن الروائح تُشكِّل جزءًا لا يتجزأ من تجربتنا الإنسانية.
لمعرفة المزيد: استكشاف عالم الروائح: قراءة في كتاب “الروائح” لأحمد فضل شبلول