كتب

الحرية طريق السعادة: قراءة فلسفية في كتاب د. هاني ملكاوي “الحرية”

 

مقدّمة إلى الكتاب

صدر الكتاب عن دار الآن ناشرون وموزّعون في عام 2023 تقريبًا. يحمل العنوان «الحرية: مقاربة فلسفية لمفهومي الحرية والسعادة»، وهو باختصار «دليلٌ أو مرشدٌ للباحث من أجل تأسيس مفهومه الخاصّ عن الحرية بأنواعها وأشكالها كافة»، كما يصفه المؤلف بنفسه.
ويُطمئن القارئ إلى أن الكتاب ليس تبنّياً «لعقيدةٍ محددة أو رؤية أيديولوجية»، بل اجتهادٌ موضوعيٌّ في تناول مفهومي الحرية والسعادة، مع الإشارة إلى عدد من الإشكاليات التي قد تُواجه الباحث في هذا الحقل.
عدد صفحاته يُشير إلى عمل مختصر (حوالي 90-94 صفحة) مما يعني أن المؤلف قصد أن يُقدّم «مقدمة فلسفية مركّزة» لا سردًا مطوَّلاً أو بحثًا موسّعًا.
من هذه الخلفية، يأتي المقال لتحليل هذا العمل، ومحاولة استخلاص مضامينه، وربطها بسياق فلسفي واجتماعي أوسع، مع التأكيد على ما يمكن أن يستفيده القارئ/الباحث من هذا الكتاب.

وضع المفهومين: الحرية والسعادة

مفهوم الحرية

في سياقات الفلسفة والسياسة والاجتماع، يُعد مفهوم الحرية أحد المفاتيح المركزية لفهم الإنسان وعلاقته بالمجتمع والدولة وذاته. يُميّز الفلاسفة بين ‌“حرية سلبية” (الحرّ من القيود) و“حرية إيجابية” (القدرة أو الإمكانية على الفعل)، وبين حرية الفرد والحرية الجماعية، وبين الحرية المطلقة والحرية المقنّنة أو المحدّدة.

في كتابه، يُشير المؤلف إلى تعدّد أشكال الحرية وأنواعها، ويُحفّز القارئ على بناء تصور خاص به لمفهوم الحرية، لا الاقتصار على التصوّرات التقليدية أو العقدية. وفق وصف الكتاب: «تأسيس مفهومه الخاصّ عن الحريّة بأنواعها وأشكالها كافة».
كما يُشير إلى أن المناهج المختلفة — الأخلاقية، السياسية، الاجتماعية، النفسية، العلمية — جميعها تتناول، كلٌّ بطبيعتها، ما نُفهمه بـ “الحرية”. فهو ليس فقط الأسئلة: ما هي الحرية؟ أو من يملكها؟ وإنما: كيف نُعيها؟ وكيف نعيشها؟ وكيف تؤثّل في سعادتنا؟

مفهوم السعادة

أما السعادة، فهي المفهوم الثاني الذي ركّز عليه المؤلف، وقد اختاره ليس باعتباره «رفاهاً زخرفياً» فحسب، بل باعتباره أفقًا مترابطًا مع الحرية: إن لم نجرِ الحرية نحو سُبل تحققها في حياة الإنسان، فإن السؤال عن السعادة يُصبح ناقصًا أو مشوّشًا. وعليه، تناول المؤلف مفهومي الحرية والسعادة معاً، باعتبارهما «ثنائيًا فلسفيًا» مترابطًا — بمعنى أن الحرية تُهيّئ السعادة، ويُمكن أن تكون السعادة مقياساً لمدى تحقق الحرية. وهذا ما يُلمّح إليه عنوان الكتاب: «… مفهومي الحرية والسعادة».

تحليل المحاور الرئيسية في الكتاب

رغم قِصر الكتاب، إلا أن فيه عدة محاور أو فصول تفتح مسارات تأمّلية فلسفية. سأُحلّل بعضًا من تلك المحاور وأستخلص منها أبرز الأفكار التي يمكن للقارئ الاستفادة منها.

1. تعدّد أشكال الحرية

يُؤكد المؤلف أن الحرية ليست مفهوماً وحيداً أو موحّداً — بل تشمل بعداً فردياً (حرية الذات)، وبعداً اجتماعياً (حرية العلاقات والمجتمع)، وبعداً سياسياً (حرية الدولة والحقّ) وبعداً أخلاقياً (حرية الاختيار والمسؤولية).
من هذا المنطلق، يتحرّك المؤلف عبر فصولٍ تُنبّئ بأنّ “أنواعها وأشكالها كافّة”.
ويُشير أيضاً إلى أن حدود الحرية — أو الإشكالات المرتبطة بها — تأتي غالباً من الاعتبارات التالية: القيود الاجتماعية، الأعراف، الثقافة، الدين، السلطة، وأيضًا النفس والهوى. الإدارة الحكيمة لهذه الحدود ليست بالضرورة تقليلاً للحرية، إنما إدراكًا لما يُمكن أن يُعرقل تحققها أو تحويلها إلى “دونية” أو “استعباد”.
بالتالي، فإن الحرية تتحوّل إلى فعلٍ مستمرٍّ: ليس مجرد مطلق نفعله مرة، وإنما “وضعٌ” نعيشه ونُهيّئه.

2. الحرية كشرط للسعادة

واحدة من أهمّ نقاط الربط التي يطرحها الكتاب هي أنّ الحرية ليست غايةً بمفردها، بل هي وسيلة محتملة لتحقيق السعادة — أو على الأقل، جزءٌ من بنائها. فالفرد الذي لا يشعر بأنه حرّ أنّ يعبّر، أو أن يقرر، أو أن يتحرّك ضمن خياراته، لن يصل إلى حالة “تَحقُّقٍ ذاتي” تُشبه السعادة أو الرضى.
وعليه، يُعزّز المؤلّف فكرة أن السعادة، في بعدها الفلسفي، ليست فقط “نشوة” أو “راحة مؤقتة”، بل حالة من “التحقّق” — تحقق الذات، والمسؤولية، والعلاقات الحرة. هنا الحرية تُهيّئ، والسعادة تُثمر.
فإذا كانت الحرية مدخلاً، فإن السعادة هي الأفق — أو ربّما الجانب المقابل في المدى الفلسفي.

3. المسؤولية والحدود

أي حرية بلا حدود أخلاقية أو اجتماعية أو قانونية — أو بدون وعي للمسؤولية — يمكن أن تنقلب إلى “تحرّر” يُنتج استنزافاً أو إساءة. لذا يتنقّل المؤلف أيضاً إلى فكرة أن الحرية التي لا تصحبها مسؤولية أو وعي بالقيم أو إدراك للآخر، قد لا تكون “حرية حقيقية” بل “حرّية مفرطة” تتحوّل إلى عبودية جديدة: عبودية الرغبة، أو عبودية الأنانية، أو عبودية الزمنيّة (أي الاستهلاك دون تأمّل).
هذا الربط بين الحرية والمسؤولية مهمّ، ويُعدّ أحد أبعاد النقد الذاتي الذي يُقدّمه المؤلف: الحرية ليست فقط أن تفعل ما تشاء، بل أن تفعل ما يجب أو ما تختاره بناءً على وعي.
بالتالي، السعادة في هذا التصور لا تأتي من “عدم القيود” فقط، بل من “حرية موجهة” — حرّية تُمارَس ضمن إطارٍ من القيم والاختيار الواعي والمسؤولية.

4. الإنسان، المجتمع، الدولة

يتناول الكتاب أيضاً، وإن بشكل مختصر، العلاقة بين الفرد والمجتمع والدولة في سياق الحرية. الحرية الفردية لا يمكن أن تُفهم بمعزل عن البُعد الاجتماعي: فالإنسان يعيش ضمن علاقات، داخل نُظم وقوانين، ويتأثّر بما حوله ويؤثّر فيه.
لذا، تنشأ إشكالية مهمة: كيف يمكن أن تكون حرّاً ضمن مجتمع أو دولة؟ ما هي حدود الحرية التي لا تخرق حرّية الآخر أو الأمن الجماعي؟ ما دور الدولة في حماية الحرية دون أن تتحوّل إلى قيد عليها؟
في هذا الصدد، يُشير المؤلف إلى أن الحرية المطلقة في الفراغ السياسي أو الاجتماعي ليست بالضرورة حرّية حقيقية، بل قد تؤدّي إلى فوضى تُقوّض الحرّيات. لذا، فإن الدولة والمجتمع بحاجة إلى “إطار حرّ” — أي نظام يضمن الحقوق ويحدّ الاعتداءات، دون أن يُخنق المبادرة الفردية والإبداع.
بهذا المعنى، السعادة التي تنشأ من الحرّية في هذا الإطار ليست سعادة فردية مغلقة، بل سعادة تتضمّن الانفتاح على الآخر والمجتمع.

5. الأبعاد النفسية والمعرفية

بعيدًا عن البُعد السياسي أو الاجتماعي فقط، يُوجّه المؤلف الأنظار أيضًا إلى ما يمكن أن نسميه “الحرّية الداخلية”: حرّية الفكر، حرّية الذات، حرّية الالتزام بالقيم رغم الضغوط، حرّية الاختيار حتى وإن كانت الخيارات محدودة.
من هذا الباب، يناقش المؤلف الإشكالية التي تقول: حتى في الأنظمة التي تسمح بحرّية كبيرة، قد لا يشعر الفرد بأنه حرّ لأن هناك أعباء نفسية أو اجتماعية أو ثقافية تحكُم عليه. وفي المقابل، ربما في ظروف مادية أو سياسية صعبة، يشعر بعض الأفراد بحرّية داخلية قوية — لأنهم وعيوا بأن الحرّية ليست فقط في “الظل الخارجي” بل في “الظل الداخلي”.
وهذا الربط بين المعرفة أو الوعي والحرّية يوصلنا إلى البُعد الفلسفي الأصلي للكتاب: الحرّية ليست فقط قضية “إمكانية الفعل” بل قضية “إدراك للفعل”. وهذا ما يقود إلى السعادة أيضًا: فلا يكفي أن تكون حراً، دون أن تعرف لماذا أنت حُرّ أو كيف تستثمر حريّتك. وما لم يحدث هذا الوعي، قد تتحول الحرّية إلى عبء، أو إلى تردد، أو إلى تقليد بلا معنى.

مناقشة إشكالية: هل الحرّية دائماً تؤدّي إلى السعادة؟

من النقاط التي يمكن أن يُثيرها الكتاب أو يُعالجها — وإن ربما لم يفصلها بشكل مطوّل نظراً لطبيعة العمل المختصر — هي الإشكالية الشهيرة: الحرّية لا تساوي بالضرورة السعادة. بل قد تؤدّي إلى القلق، أو إلى الشك، أو إلى الضياع في لُبّ الخيارات. فكم من شخصٍ يشعر بأنه “محرّر” من القيود، ولكنه في واقع الأمر يشعر بالفراغ أو بالعبء أو بعدم التوجيه؟

الحرّية والقلق

عندما يُمنح المرء حرّية كبيرة دون إطار أو توجيه، قد يكون أول ما يواجهه هو القلق: أيّ خيار أتخذ؟ ماذا لو أخطأت؟ هل أنا مسؤول عن نتائج خياري؟ هل أتحمّل عواقبه؟ في هذا السياق، الحرّية تتحوّل إلى “مهمّة” أو “اختبار” بدلاً من أن تكون “انطلاقاً”.
وهذا يقود إلى أن السعادة المرتبطة بالحرّية ليست ظهورة التلقائي، بل إن هناك عنصر “استقرار نفسي” أو “إيمان بالقيمة” أو “إحساس بالمسار” يجب أن يكون موجوداً. ربما هذا ما يقصد المؤلف حينما يربط بين الحرية والسعادة، ويؤكد أن الحرّية التي لا تدار أو لا تُوجّه قد لا تؤّتي ثمارها في شكل سعادة حقيقية.

الخيارات، الازدحام، والشعور بالتفرّق

في زمننا المعاصر، تُقدَّم الحرّية على أنها “كثيرٌ من الخيارات”: حرّية الأكل، حرّية اللبس، حرّية التعبير، حرّية الانتقال، حرّية العمل… إلخ. لكن كثرة الخيارات قد تؤدّي إلى الشعور بالتفرّق (paradox of choice): أي أنّ كل خيار فيه احتمال للندم أو الخسارة أو الاستسلام. وهذا الموضوع طرحه كثير من كتاب علم النفس أو التنمية البشرية (وإن بعبارات غير فلسفية).
ومن هذا المنطلق، يمكن أن نستنتاج — بناءً على منطق المؤلف — أنّ خياراً فردياً واسعاً ليس بحد ذاته ضمانًا للحرّية الحقيقية، بل الحرّية التي تُمارَس ضمن “وعي بالاختيار” ضمن “مسار معنوي أو فكري” أو “إطار معيّن”. وهذا الربط هو ما يجعل الحرّية تُثمر سعادة، وليس العكس.

الحرّية الاجتماعية والسياسية – التحدّيات

من جهة المجتمع والدولة، الحرّية الفردية قد تصطدم بحرّية الآخرين، أو بهياكل السلطة، أو بأعراف المجتمع أو الدين. إذا كانت الحرّية الفردية مفرطة من دون اعتبار للآخر، قد تؤدّي إلى صدام اجتماعي أو إلى انهيار التعايش. وبالمقابل، الحرّية التي تُركّب على أنها “ما يُسمح به” من طرف الدولة أو المجتمع، قد تفقد معناها.
هنا تكمن إشكالية: كيف يُمكن أن تكون حرّاً دون أن تؤذي حرّية الآخر؟ وكيف يمكن أن يكون المجتمع حرّاً دون أن يتحوّل إلى فوضى؟ كيف تُوازن الدولة بين حماية الحرّيات وضمان النظام؟ هذه الأسئلة هي من جوهر ما يعالجه المؤلف ضمن هذا العمل، وإن ضمن إطاره المختصر.

ما الجديد والملاحظات النقديّة

ما يقدّمه الكتاب

  • يُقدّم قراءة مختصرة وواضحة لمفهومي الحرية والسعادة باللغة العربية، في إطار فلسفي، وهو أمر مهمّ لأن كثيراً من النصوص الفلسفية تُرجَم أو تُدرّس بدل أن تُنتج بالعربية المعاصرة.
  • يُحفّز القارئ على تشكيل تصوّره الخاصّ عن الحرّية، لا أن يقبل مفهوماً مُسوَّغاً تلقائياً. وهذا من أهم ما يمثّله العمل: “دليلٌ للباحث” وليس كتاباً تعليميّاً جامداً.
  • يُقدّم الربط بين الحرّية والسعادة، ما يجعله ليس مجرد تحليل فلسفي نظريّ، بل يسعى إلى تأصيل علاقة بين الفكر والحياة، بين النظرية والتطبيق.

بعض الملاحظات النقديّة

  • كونه عملًا مختصرًا (حوالي 90 صفحة)، قد لا يقدّم تفاصيل موسّعة أو دراسة تاريخية معمّقة لمفاهيم الحرّية والسعادة عبر المدارس الفلسفية المختلفة. لهذا، قد يجد القارئ الباحث أن بعض الأفكار تحتاج إلى تكميل بقراءة أوسع.
  • رغم أن المؤلف يؤكّد أنه لا يحمل اتجاهًا عقائدياً محدّداً، فمن الصعب تماماً فصل كلّ الفرضيات الشخصية أو الثقافية عن أي نصّ فلسفي. لذا، على القارئ أن يكون واعياً بأن “الموضوعية” في الفلسفة دائماً نسبية إلى حدّ ما.
  • بما أن الموضوع (الحرّية) واسع جدًا، فإن اختزالَه في إطار مختصر لديه محاسن (الوصول السريع) ومساوئ (عمق أقلّ)، وهو ما يجب أن يأخذه القارئ بعين الاعتبار: الكتاب بداية، وليس نهاية البحث.

التطبيق المعاصر: كيف نقرأ الكتاب في سياق اليوم؟

في الحياة الفردية

  • يمكن أن يُستخدم الكتاب كمنطلق للتأمّل الشخصي: ما الذي يعنيه لي أن أكون حُرّاً؟ ما هي القيود التي أعيشها (خارجية أو داخلية)؟ وهل أمارس حريتي مع وعي أو بلا وعي؟ هل حرّيتي تُؤدّي إلى سعادة أو إلى اضطراب؟
  • يمكن أن يفتح سؤالاً: كيف أستثمر حريّتي؟ هل أتركها “تتراجع” أو “تهدر” في أمور ليس لها قيمة؟ أم أحاول أن أصبح “محرّراً” من القيود (الثقافية، النفسية، الاجتماعية) التي لا تخدمني؟
  • كذلك، يمكن أن يُحفّز على “التوازن” بين الحرّية والمسؤولية: لا أن أقول “أنا سأفعل ما أشاء” فحسب، بل “أنا سأفعل ما أختاره والنتيجة أتحمّلها”. هذا الوعي يُعدّ خطوة نحو السعادة الحقيقية التي يربطها المؤلف بالحرّية.

في المجال الاجتماعي/السياسي

  • في المجتمعات العربية، بما فيها مجتمعنا في مصر والمنطقة، كثيراً ما يكون موضوع الحرّية محاطاً بتعقيدات ثقافية، اجتماعية، سياسية. هنا يُمكن استخدام مفاهيم الكتاب لفتح نقاش: ما معنى أن تكون الحرّية في المجتمع؟ وما حدودها؟
  • مثلاً، كيف يمكن أن يحقّق المجتمع حرّية رأي أو تعبير أو حركة، من دون أن يُمسّ ترابطه الاجتماعي أو الأمن العام؟ كيف يمكن أن تُمارَس الحرّية في ظلّ قوانين أو أعراف أو دين؟ وكيف يمكن أن تُحوّل الحرّية إلى “فضاء للمبادرة والبناء” لا إلى فوضى؟
  • كما يمكن أن يُناقَش كيف يُمكن للتربية أو الثقافة أو التعليم أن تُسهّل “حرّية الاستقلال الفكري” لدى الناشئة أو الشباب — أي أن يكونوا أحراراً ليس فقط ظاهريّاً، بل في الداخل: أن يفكروا، وأن ينتقدوا، وأن يبنوا رؤاهم الخاصة، مع احترام الآخرين. هذا النوع من الحرّية الداخلية/الفكرية له تأثير مباشر على السعادة الفردية والمجتمعية.

في سياق السعادة والتنمية الذاتية

  • في إطار التنمية الذاتية، يمكن أن يُنظر إلى “حرّية الاختيار والمعنى” كمكوّن مهم للسعادة. فبدل أن نسعى فقط إلى “تحقيق الأهداف” أو “الوصول إلى الراحة”، يمكن أن نسأل: هل أنا حرّ في اختياراتي؟ هل أعيش بمعنى؟ هل اختياراتي تُعبّر عن ذاتي؟
  • وإذا عدنا إلى فكرة الكتاب بأن الحرّية ليست نهاية بل وسيلة، فإننا نتوجّه إلى سؤال: ما هي السعادة التي أبحث عنها؟ هل هي راحة مادية؟ أو تقدير اجتماعي؟ أو تحقيق مشروع؟ وهل الحرّية التي أملكها تسدّ هذا البحث أم تعرّيه؟
  • وهنا تكمن فائدة المؤلّف: أن ينقلنا من مجرد “أريد أن أكون حُراً” إلى “ما معنى أن أكون حُراً؟ وإلى ماذا سأوجّه حرّيتي؟”.

خلاصة وتأملات ختامية

إن كتاب «الحرّية: مقاربة فلسفية لمفهومي الحرّية والسعادة» يُعدّ إضافة مهمّة للساحة العربية من حيث تقديمه قراءة مركّزة ومُحفِّزة في موضوعين أساسيّين للفكر الإنساني: الحرّية والسعادة. على الرغم من قصره، فإنّه يقدم مدخلاً فعّالاً للباحث أو القارئ المهتم بأن يكون “فاعلًا” في طرحه لمفهومي الحرّية والسعادة، لا مجرد متلقٍّ.

في خلاصة يمكن القول:

  1. الحرّية ليست مفهوماً أحادي البُعد، بل هي متعدد البُنى — فردي واجتماعي ونفسي ومعرفي — والكتاب يدعونا إلى أن نعي ذلك.
  2. الحرّية وحدها لا تكفي، بل تحتاج إلى وعي، ومسؤولية، وقيم، وإطار تُمارَس ضمنه، وإلا فقد تتحوّل إلى عبء أو إلى مجرد شكلٍ بلا مضمون.
  3. السعادة لا تأتي فقط من القدرة على “الفعل الحرّ” بل تتأتّى من “جودة هذا الفعل” و”اتجاهه” و”وعيه”، بمعنى أن ما نفعله بحرّية، وكيف نفعله، ولماذا نفعله، كلّه يُحدّد هل تكون هذه الحرّية مؤدية إلى سعادة أو لا.
  4. في الحياة المعاصرة، سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي، بات من الضروري إعادة التفكير في الحرّية ليس فقط كحقّ، بل كمهارة وعمل يوميّ: مهارة أن نختار، أن نعي، أن نُوجّه، أن نتحمّل.
  5. يمكن أن يكون هذا الكتاب بداية لمزيدٍ من البحث العميق: فالقارئ الذي يُعجبه ما قرأه فيه، قد يتابع قراءات أخرى في فلسفة الحرّية (مثل أعمال إسحاق برلين أو ميشيل فوكو) أو في فلسفة السعادة (مثل سقراط/أفلاطون أو الفلسفة الحديثة)، ليُوسّع منظاره.

توصية للقرّاء والباحثين

  • أنصح بقراءة الكتاب ببطء، مع وقفات تأمّل بعد كل فصل أو محور، محاولاً أن تعبّر في دفتر ملاحظات عن إجابتك الخاصة على الأسئلة التي يطرحها المؤلف: ما الذي يعنيه لي أن أكون حُرّاً؟ ما الذي أقصد بالسعادة؟ هلهما مترابطان لدى؟
  • ثم يُمكن طرح النقاشات مع الآخرين: هل حرّيتنا في المجتمع كافية؟ هل فيها خلل؟ ماذا يعني “أنا حرّ” في المجتمع الذي أعيش فيه؟ كيف تُمارَس حرّية الفكر أو التعبير أو الاختيار؟
  • أخيرًا، يمكن أن يُستخدَم الكتاب كمدخل لمشروع بحث أو ورشة فكرية: «الحرّية والسعادة في المجتمع المعاصر»، أو «التربية على الحرّية والمسؤولية»، أو «أنماط الحرّية الداخلية والخارجية».

 

لمعرفة المزيد: الحرية طريق السعادة: قراءة فلسفية في كتاب د. هاني ملكاوي “الحرية”

يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك
يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك الإعلان هنا
تواصل معنا لوضع إعلانك
زر الذهاب إلى الأعلى