سير

بيورنشتيرن بيورنسن: شاعر الأمة الذي غيّر الأدب وألهم السلام

في قرية نرويجية هادئة تُدعى كفيكني، وُلد في 8 ديسمبر 1832 فتىً سيُصبح لاحقًا أحد أعمدة الأدب النرويجي، ومُلهمًا لحركات التحرر والسلام في أوروبا. ذلك الفتى هو بيورنشتيرن بيورنسن، الذي سيُخلّد اسمه في التاريخ كأول نرويجي ينال جائزة نوبل في الأدب عام 1903، تقديرًا لـ”شعره النبيل والرائع والمتنوع، الذي تميز دائمًا بجدة إلهامه ونقاء روحه” .

 

من أحلام الطفولة إلى عظمة نوبل

نشأ بيورنسن في كنف عائلة دينية، حيث كان والده قسيسًا. في عام 1837، انتقلت العائلة إلى منطقة رومسدال، حيث قضى بيورنسن طفولته بين الطبيعة الخلابة والقصص الشعبية. أظهرت هذه البيئة الريفية تأثيرًا عميقًا على أعماله الأدبية اللاحقة، حيث استلهم منها قصصه التي تمجد الفلاح النرويجي وتُبرز قيمه.

 

التعليم والمسار الأكاديمي: خطوات نحو القمة

في سن السابعة عشرة، التحق بيورنسن بمدرسة هيلتبرغ اللاتينية في كريستيانيا (أوسلو حاليًا)، حيث درس مع شخصيات بارزة مثل هنريك إبسن. في عام 1852، التحق بجامعة أوسلو، وبدأ مسيرته كناقد أدبي في صحيفة “مورغنبلادت”، حيث كتب مقالات نقدية وقصصًا قصيرة.

 

الانطلاقة المهنية: أولى خطوات التأثير

في عام 1857، نشر بيورنسن روايته الأولى “سِنّوفه سولباكن”، التي لاقت نجاحًا كبيرًا. تبعها بروايات مثل “آرنه” (1858) و”الفتى السعيد” (1860)، والتي جسدت حياة الفلاحين النرويجيين. كما كتب مسرحيات تاريخية مثل “بين المعارك” (1857) و”هولدا العرجاء” (1858)، التي استلهمها من الأساطير النرويجية.

 

الإنجازات الثورية: التغيير الحقيقي

تحول بيورنسن في سبعينيات القرن التاسع عشر إلى الواقعية الاجتماعية، حيث كتب مسرحيات مثل “الإفلاس” (1875) و”المحرر” (1875)، التي ناقشت قضايا اقتصادية واجتماعية. في عام 1877، كتب مسرحية “الملك”، التي تناولت فقدان القيم المسيحية في المجتمع العلماني. كما كتب روايات مثل “الرايات ترفرف في المدينة والميناء” (1884) و”في طريق الله” (1889)، التي ناقشت التسامح الديني والتغيير الاجتماعي.

 

لحظة نوبل: القمة المنتظرة

في 10 ديسمبر 1903، حصل بيورنسن على جائزة نوبل في الأدب، تقديرًا لأعماله الشعرية المتنوعة والنقية. في كلمته خلال حفل الاستلام، عبّر عن أمله في أن تُعتبر الجائزة “هدية من أمة إلى أخرى”، في إشارة إلى العلاقات بين النرويج والسويد .

 

التحديات والإنسان وراء العبقرية

واجه بيورنسن تحديات عديدة، منها اتهامه بالخيانة العظمى بسبب آرائه السياسية، مما اضطره للعيش في المنفى لفترة. كما خاض معارك فكرية حول الأخلاق الجنسية والدين، مما أثار جدلاً واسعًا. رغم ذلك، استمر في الدفاع عن قناعاته، مؤمنًا بضرورة الإصلاح الاجتماعي والسلام.

 

الجوائز والإرث: ما تركه للعالم

إلى جانب جائزة نوبل، حصل بيورنسن على العديد من الأوسمة، وترك إرثًا أدبيًا غنيًا يشمل الروايات، والمسرحيات، والقصائد. كما كتب كلمات النشيد الوطني النرويجي “نعم، نحن نحب هذا البلد”، الذي أصبح رمزًا للفخر الوطني.

 

الجانب الإنساني: روح خلف الإنجاز

كان بيورنسن ناشطًا في قضايا السلام وحقوق الإنسان، حيث دعم قضية دريفوس في فرنسا، ودافع عن حقوق الأقليات، وشارك في تأسيس لجنة نوبل للسلام. قال مرة: “لنفكر في التقدم الإنساني كموكب لا نهاية له، يسير فيه الرجال والنساء بثبات” .

 

ما بعد نوبل: الاستمرار أو الخلود

بعد فوزه بجائزة نوبل، استمر بيورنسن في الكتابة والنشاط السياسي حتى وفاته في باريس في 26 أبريل 1910. نُقل جثمانه إلى النرويج على متن سفينة حربية، ودُفن في مراسم رسمية، تكريمًا لإرثه الوطني.

 

الخاتمة: أثر خالد

من طفل في قرية نرويجية إلى رمز وطني وعالمي، جسّد بيورنسن رحلة الإبداع والإصلاح. ترك إرثًا أدبيًا وإنسانيًا يُلهم الأجيال، ويُذكرنا بأن الكلمة يمكن أن تكون أداة للتغيير والسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى