كتب

زواج بنكهة الطلاق": قراءة نقدية في أزمة الزواج المعاصر

 

مقدمة

يُعد كتاب “زواج بنكهة الطلاق” للدكتور عصام زيد من المؤلفات التي تُعالج قضايا الزواج الحديث بمنظور تحليلي وإنساني عميق، يسلّط الضوء على المشكلات النفسية والاجتماعية والسلوكية التي تعصف بمؤسسة الزواج في المجتمعات المعاصرة. وقد برع المؤلف في تقديم تشخيص دقيق للعلاقات الزوجية التي تُمارس حياتها كأنها “على وشك الانفصال”، رغم بقاء الشكل الخارجي لها، حيث يُمارس الشريكان حياتهما في ظل شعور داخلي بالانفصال العاطفي والروحي، وكأن الطلاق وقع بالفعل، دون أوراق رسمية.

 

تعريف بالكتاب

الكتاب صادر عن دار نشر معروفة في مجال العلوم النفسية والاجتماعية، ويقع في حوالي 200 صفحة، موزعة على فصول مركّزة، تتناول كل منها جانبًا من الجوانب التي تُؤدي إلى تحوّل الزواج من رابطة محبة واستقرار، إلى علاقة جوفاء يغلب عليها النفور والجمود. لغة الكتاب مبسطة لكنها رصينة، تجمع بين العمق الأكاديمي والأسلوب القصصي، بما يجعل القارئ يتفاعل مع المادة دون شعور بالملل.

 

من هو د. عصام زيد؟

الدكتور عصام زيد هو كاتب واستشاري نفسي وخبير في العلاقات الأسرية، له حضور إعلامي ومجتمعي بارز، ويُعرف بإسهاماته الثرية في توعية الأزواج وتقديم محتوى يُعالج الجذور النفسية والاجتماعية للمشكلات الزوجية. يمتلك د. زيد خلفية أكاديمية راسخة في علم النفس الأسري، ويشارك بانتظام في الندوات والمحاضرات التي تبحث في قضايا الأسرة العربية.

 

الفكرة المركزية للكتاب

يدور الكتاب حول ما يُسميه المؤلف بـ”الزواج الميت نفسيًا”، حيث تبقى العلاقة الزوجية قائمة من الناحية الشكلية، لكنها منهارة من الداخل. ويستعرض الكاتب كيف تتحوّل العلاقات من الحب والمودة إلى اللامبالاة والعداء البارد، مبرزًا أن كثيرًا من الأزواج يعيشون هذا الواقع دون أن يُدركوا حجم الكارثة النفسية التي يعيشونها.

يناقش د. زيد المفارقة بين الصورة الخارجية للزواج والاستقرار المفترض، وبين الواقع النفسي المضطرب الذي يعانيه أحد الطرفين أو كليهما، ليطرح سؤالًا صادمًا: “هل هذا زواج… أم طلاق مؤجّل؟”

 

أهم المحاور التي يتناولها الكتاب

  1. النكهة النفسية للطلاق غير المعلن

    يُركّز المؤلف على التدهور العاطفي التدريجي الذي يصيب العلاقة، بدءًا من الصمت المتبادل، مرورًا بالانفصال الوجداني، وانتهاءً بالانفصال الجسدي. ويشير إلى أن هذا الانفصال لا يحدث فجأة، بل يتكوّن عبر تراكمات من الإهمال واللاوعي.

  2. دور التربية والتنشئة في تشكيل العلاقة الزوجية

    يربط المؤلف بين ما يتعلمه الإنسان في أسرته الأصلية من مفاهيم حول الحب والتواصل، وبين ما يطبّقه لاحقًا في حياته الزوجية. ويطرح أمثلة عن الأزواج الذين تربّوا في بيئات مفككة، وكيف ينعكس ذلك على سلوكهم الزوجي لاحقًا، فيغيب لديهم مفهوم التعبير عن الحب، أو التواصل الحميم.

  3. أنماط الأزواج العاطفيين والنرجسيين

    يقدّم د. زيد تحليلًا نفسيًا دقيقًا لبعض أنماط الشخصيات التي تدمّر الزواج بصمت، مثل الزوج النرجسي، أو الزوجة المتسلطة، أو الطرف الاعتمادي العاطفي. ويشرح كيف تؤدي هذه الأنماط إلى شعور الطرف الآخر بالاختناق أو الرفض أو الإهانة المزمنة.

  4. الخيانات العاطفية الرقمية

    يُفرد الكاتب فصلاً خاصًا لظاهرة الخيانة العاطفية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تُشكّل أحد أسباب فتور العلاقة الزوجية. ويبيّن كيف أن هذه الخيانات، رغم أنها “غير مادية”، تؤدي إلى أضرار نفسية قد تفوق الخيانة الجسدية، لأنها تنسف الثقة من جذورها.

  5. دور الجنس في تماسك الزواج

    يناقش الكتاب العلاقة بين الصحة الجنسية والاستقرار العاطفي، ويشدّد على أن إهمال العلاقة الحميمة، أو استخدامها كأداة للضغط أو العقاب، يؤدي إلى تفاقم المشكلات. ويطالب بعلاجها بروح من الحوار والتفاهم لا منطق الاتهام والإحراج.

  6. الحلول المقترحة لإنقاذ الزواج من التحلل العاطفي

    لا يكتفي د. زيد بالتشخيص، بل يقدّم حلولًا عملية، مثل:

    • ضرورة إجراء “مراجعة دورية” للعلاقة الزوجية.
    • تعلم مهارات الحوار العاطفي الفعّال.
    • طلب الاستشارات الزوجية بشكل استباقي وليس عند انهيار العلاقة.
    • إعادة بناء الجاذبية النفسية من خلال المشاركة والاهتمام المتبادل.

أمثلة واقعية وحالات دراسية

يعتمد الكاتب على عدد من الحالات الواقعية التي تعامل معها خلال عمله كاستشاري أسري، وينقل حوارات حقيقية تُجسّد الألم الصامت الذي يعيشه كثير من الأزواج. هذه الأمثلة تمنح الكتاب طابعًا عمليًا وتُقرب القارئ من الواقع أكثر من مجرد التنظير.

لماذا يعتبر هذا الكتاب مهمًا؟

في ظل ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمعات العربية، وزيادة ما يُعرف بـ”الطلاق العاطفي”، تأتي أهمية هذا الكتاب من كونه يُسلّط الضوء على الجزء الغاطس من جبل الجليد، أي حالات الزواج التي تبدو مستقرة خارجيًا، لكنها منهارة داخليًا. وهو لا يدعو إلى الانفصال، بل إلى إعادة إحياء العلاقة على أسس جديدة قائمة على التفاهم والصدق والرغبة المتبادلة في البناء.

الأسلوب والأسس العلمية

الكتاب يجمع بين قوة المعلومة النفسية، ودفء الأسلوب الأدبي. لا يستخدم المؤلف مصطلحات معقدة، بل يبسّط العلم دون أن يُفرّغه من عمقه، مستندًا إلى نظريات علم النفس الأسري، وعلم العلاقات، وبعض مراجع علم النفس التحليلي والمعرفي.

أثر الكتاب ومكانته

منذ صدوره، حظي الكتاب باهتمام القراء والمهتمين بعلاج العلاقات الزوجية. وقد اُعتمد في بعض الدورات التدريبية وورش العمل التي تُعقد للأزواج، كما أصبح من الكتب المرجعية في مكتبة المتخصصين في الإرشاد الأسري.

خاتمة

زواج بنكهة الطلاق ليس كتابًا تقليديًا في العلاقات الزوجية، بل هو مرآة عاكسة لحالات زواج فقدت روحها رغم بقائها جسديًا، كتاب يفتح العيون على ما هو غير ظاهر، ويحفّز الأزواج على إعادة النظر في علاقتهم، قبل أن يتحوّل الزواج إلى مؤسسة بلا روح. هو دعوة للإنقاذ، وللبحث عن الحب مرة أخرى في قلب العلاقة، لا خارجها.

 

لمعرفة المزيد: زواج بنكهة الطلاق”: قراءة نقدية في أزمة الزواج المعاصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى