سعوديون عاشوا في مصر..تلاقح الثقافات وتجارب ملهمة

تُعتبر العلاقة بين السعودية ومصر من أقوى العلاقات في العالم العربي، ليس فقط على المستوى السياسي والاقتصادي، ولكن أيضًا على المستوى الثقافي والاجتماعي. في هذا السياق، يأتي كتاب “سعوديون عاشوا في مصر” للكاتب أحمد العرفج ليقدم نظرة معمقة عن السعوديين الذين أقاموا في مصر، وتركوا بصماتهم في مختلف المجالات.
الرؤية العامة للكتاب
يسعى الكتاب إلى الإجابة عن سؤال محوري: ما هو تأثير السعوديين في مصر؟ فبينما يُسلَّط الضوء عادة على تأثير مصر في السعودية، قرر المؤلف أن يعكس الصورة، ويسلط الضوء على السعوديين الذين تأثروا وأثروا في المجتمع المصري عبر مسارات متعددة، مثل السياسة، الاقتصاد، الفن، الثقافة، والتعليم.
المسارات التي يتناولها الكتاب
يتناول الكتاب حياة السعوديين الذين عاشوا في مصر عبر ثمانية مسارات رئيسية، هي:
1. المسار السياسي:
كان للسعوديين حضور قوي في المشهد السياسي المصري، سواء من خلال العلاقات الدبلوماسية أو عبر شخصيات سعودية لعبت دورًا في توطيد العلاقات بين البلدين. من أبرز الأسماء التي يذكرها الكتاب سفراء ودبلوماسيون سعوديون ساهموا في تعزيز الشراكة المصرية السعودية على مدار العقود.
2. المسار العلمي والديني:
لطالما كانت جامعة الأزهر وجهة للسعوديين الراغبين في التعمق في الدراسات الدينية، مما أسهم في تكوين جيل من العلماء والدعاة الذين عادوا إلى السعودية ليصبحوا من رموز الفكر الإسلامي. كما أن هناك شخصيات سعودية أسهمت في المجال الأكاديمي المصري، سواء بالتدريس أو بالإشراف على بحوث علمية.
3. المسار الدبلوماسي:
الدبلوماسيون السعوديون في مصر لعبوا دورًا مهمًا في تعزيز التعاون الثنائي، وتيسير حياة الجاليات السعودية هناك، إضافة إلى لعبهم أدوارًا في القضايا العربية الكبرى التي جمعت البلدين.
4. المسار الاقتصادي والاستثماري:
شهدت مصر استثمارات سعودية ضخمة، خصوصًا في العقارات والسياحة والتجارة. رجال أعمال سعوديون كان لهم دور في إنشاء مشاريع ضخمة، ساعدت في دعم الاقتصاد المصري، وكانوا جزءًا من النسيج الاقتصادي المصري لعقود طويلة.
5. المسار الثقافي والفكري:
بعض السعوديين الذين أقاموا في مصر ساهموا في الحركة الثقافية عبر الكتابة في الصحف المصرية أو الانضمام إلى الحوارات الفكرية والأدبية التي ميزت الساحة الثقافية المصرية.
6. المسار الإعلامي والصحفي:
الإعلام السعودي والمصري كانا متداخلين منذ عقود، وساهم عدد من الصحفيين السعوديين في العمل بالصحافة المصرية، سواء في الصحف الورقية أو القنوات الفضائية، مما جعلهم جزءًا من المشهد الإعلامي هناك.
7. المسار الفني:
الفن المصري كان له تأثير كبير على الفنانين السعوديين، سواء في الموسيقى أو السينما أو المسرح. بعض السعوديين، مثل طلال مداح، كان لهم ارتباط خاص بمصر، حتى أن مداح أوصى بدفنه هناك، وهو ما حدث بالفعل.
8. المسار الاجتماعي:
يروي الكتاب كيف تأقلم السعوديون مع المجتمع المصري، وأقاموا صداقات قوية، بل وتزوج بعضهم من مصريات، مما أدى إلى تكوين روابط اجتماعية عميقة استمرت لعقود طويلة.
قصص ملهمة من الكتاب
– محمد درويش: السعودي الذي اقتحم عالم التمثيل
من بين القصص الفريدة التي يعرضها الكتاب قصة محمد درويش، السعودي الذي جاء إلى مصر في الثلاثينيات، وكان شغوفًا بالتمثيل. التقى بعدد من عمالقة الفن المصري، مثل فريد شوقي، لكنه وضع شرطًا غريبًا لدخوله المجال: أن يؤدي فقط أدوار الطبيب أو المحامي، حفاظًا على صورة العائلة السعودية المحافظة. وبالفعل، نجح في الظهور في بعض الأعمال السينمائية بهذه الأدوار.
– طلال مداح: الفنان الذي أحب مصر حتى النهاية
يحكي الكتاب عن العلاقة الخاصة التي جمعت الفنان طلال مداح بمصر. لم يكن مجرد مغنٍ زائر، بل كان جزءًا من الساحة الفنية المصرية، وكانت القاهرة موطنًا فنيًا له، حيث سجل العديد من أغانيه هناك. ومن شدّة ارتباطه بمصر، أوصى بأن يُدفن فيها، وهو ما تحقق بعد وفاته خلال إحدى حفلاته هناك.
لماذا هذا الكتاب مهم؟
1. يعيد التوازن في السرد التاريخي:
بدلًا من التركيز فقط على تأثير مصر في السعودية، يعكس الكتاب الصورة، ليُظهر كيف كان للسعوديين أيضًا دور في مصر.
2. يُبرز التفاعل الثقافي العميق:
يعكس الكتاب التداخل الثقافي بين المجتمعين السعودي والمصري، ويكشف كيف أن الثقافة ليست طريقًا ذا اتجاه واحد.
3. يقدم قصصًا جديدة لم تُروَ من قبل:
على الرغم من عمق العلاقات بين البلدين، فإن الكثير من هذه القصص لم تكن معروفة للعامة، مما يجعل الكتاب إضافة فريدة للمكتبة العربية.
الخاتمة
“سعوديون عاشوا في مصر” ليس مجرد كتاب توثيقي، بل هو شهادة على العلاقات العميقة بين الشعبين، وعلى كيف أن التفاعل الثقافي بين الدول لا يكون دائمًا في اتجاه واحد. الكتاب يُسلّط الضوء على قصص سعوديين أثروا في المجتمع المصري، وكان لهم حضور في ميادين متعددة، من السياسة إلى الفن، ومن الاقتصاد إلى الإعلام.
يُعَدُّ هذا العمل إضافة مهمة لفهم العلاقات السعودية المصرية بشكل أوسع، وهو كتاب يجب أن يُقرأ لكل من يهتم بالتاريخ العربي الحديث، أو بالعلاقات بين البلدين، أو حتى لمن يبحث عن قصص نجاح ملهمة لأفراد صنعوا الفارق في بلد آخر غير وطنهم.
لمعرفة المزيد: سعوديون عاشوا في مصر..تلاقح الثقافات وتجارب ملهمة