سير

سعيد بن جبير.. الفقيه المظلوم الذي تحدى الظلم

مقدمة

يُعدّ سعيد بن جبير أحد أبرز التابعين وعلماء التفسير والحديث في الإسلام، اشتهر بعلمه الغزير، وتقواه، وشجاعته في قول الحق. عاش في زمن بني أمية، وكان من تلاميذ عبد الله بن عباس، فاقتبس منه علمه الغزير في التفسير والفقه. لكن ما جعله رمزًا خالدًا هو موقفه البطولي في مواجهة ظلم الحجاج بن يوسف الثقفي، حتى استشهد على يديه، ليصبح نموذجًا للصمود في وجه الاستبداد.

نشأته وتعليمه

وُلِد سعيد بن جبير عام 46 هـ في الكوفة، وهي من أهم مراكز العلم في ذلك العصر، حيث كانت تزخر بالعلماء والفقهاء. نشأ في بيئة دينية، فتلقى العلم على يد كبار الصحابة والتابعين، وكان من أبرز أساتذته الصحابي الجليل عبد الله بن عباس، حبر الأمة، الذي تأثر به سعيد بن جبير في فهم القرآن وتفسيره.

عُرف سعيد بذاكرته القوية وحفظه العميق للقرآن والحديث، كما كان واسع الاطلاع على الفقه وأصول الدين. وقد تتلمذ على يديه العديد من العلماء، وكان مرجعًا موثوقًا في العلوم الشرعية.

علمه ومكانته

كان سعيد بن جبير من كبار المفسرين للقرآن الكريم، وقد أثنى عليه علماء عصره، فقال عنه سفيان الثوري: “مات سعيد بن جبير وما على الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه”. كما قال عنه الإمام الشافعي: “قتل سعيد بن جبير وما ترك أحدًا أفقه منه”.

لم يكن عالمًا فحسب، بل كان صاحب أخلاق سامية، متواضعًا، ورعًا، زاهدًا في الدنيا. وكان يقول: “اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك وحسن الظن بك”، فكان يقينه بالله ثابتًا لا يتزعزع.

موقفه من الحجاج بن يوسف الثقفي

عُرف الحجاج بن يوسف الثقفي ببطشه وظلمه للناس، وكان يلاحق معارضي بني أمية بلا رحمة. وكان سعيد بن جبير من الرجال الذين رفضوا الظلم، فوقف إلى جانب عبد الرحمن بن الأشعث في ثورته ضد الحجاج. وبعد هزيمة ابن الأشعث، فرّ سعيد وتنقل بين البلدان، لكنه أُلقي القبض عليه وأُحضر إلى الحجاج.

المحاكمة والموت البطولي

عندما وقف سعيد بن جبير أمام الحجاج، دار بينهما حوار مشهور، حيث حاول الحجاج إجباره على الاعتراف بولائه لبني أمية، لكنه رفض بشجاعة. ومن أبرز ما جرى في المحاكمة:

  • سأله الحجاج: “ما اسمك؟”
    • فقال سعيد: “سعيد بن جبير”
    • فرد الحجاج ساخرًا: “بل أنت شقي بن كسير!”
    • فقال سعيد بثبات: “أمي كانت أعلم باسمي منك!”
  • سأله الحجاج: “ما رأيك فيّ؟”
    • فقال سعيد: “أنت ظالم تسفك الدماء بغير حق.”
  • ثم أمر الحجاج بقتله، فقال سعيد: “اللهم لا تسلطه على أحد من بعدي!”، وبالفعل لم يعش الحجاج طويلًا بعده، وقيل إنه مات بمرض غامض ظل يعاني منه حتى هلاكه.

أثره في التاريخ الإسلامي

ترك سعيد بن جبير أثرًا عميقًا في التاريخ الإسلامي، فهو رمز للثبات على الحق في وجه الطغيان، ومثاله حيّ لكل من يواجه الظلم. كما أن علمه في التفسير والحديث ظل مرجعًا للعلماء من بعده، واستمرت سيرته ملهمة للأجيال.

خاتمة

كان سعيد بن جبير عالمًا ربانيًا، لم يخضع للظلم، وظل ثابتًا على الحق حتى آخر لحظة في حياته. إن قصته ليست مجرد سرد تاريخي، بل هي درس في الشجاعة والإيمان، ورسالة لكل من ينشد العدل في عالم يعج بالظلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى