سير

سيرة سلمة بن دينار..الزاهد الحكيم

مقدمة

سلمة بن دينار، المعروف بأبي حازم الأعرج، هو أحد التابعين والزهاد في عصره، عُرف بحكمته، وزهده، وورعه، وكان أحد أبرز علماء المدينة المنورة في زمانه. تميز بأسلوبه العميق في الوعظ والإرشاد، وكان مرجعًا في العلم والدين، حتى أن الخلفاء كانوا يستشيرونه في شؤون الحكم والسياسة.

 

نشأته وحياته

لا توجد معلومات تفصيلية عن تاريخ ولادته، لكنه عاش في القرن الأول الهجري. نشأ في المدينة المنورة في بيئة علمية ودينية، مما أهّله ليكون من أبرز العلماء الذين تتلمذوا على أيدي الصحابة ونقلوا علمهم للأجيال اللاحقة. كان سلمة بن دينار زاهدًا، رفض المناصب والهبات من الحكام، وعاش حياة التقشف رغم سعة علمه ومكانته.

 

مكانته العلمية والدينية

كان أبو حازم من كبار علماء المدينة، واشتهر بزهده وتقواه، وكان مجلسه عامرًا بالحكم والمواعظ التي تلامس القلوب. تتلمذ على يديه كثير من العلماء والمحدثين، وكان أحد القلة الذين عرفوا بجرأتهم في قول الحق أمام الحكام دون خوف.

روى الحديث عن بعض الصحابة، مثل عبد الله بن عمر، وكان ثقة في روايته، حتى اعتمده كبار المحدثين. قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: “كان أحد الثقات الأثبات، زاهدًا عابدًا، من نجباء التابعين”.

 

زهده في الدنيا

كان سلمة بن دينار يرفض الهدايا والعطايا من الخلفاء، وعندما عرض عليه الخليفة أبو جعفر المنصور منصب القضاء، رفض بشدة، قائلاً:

“إن كنت أريد الدنيا، فالدنيا عندك، وإن كنت أريد الآخرة، فلماذا أقبل دنياك؟”

وكان دائم النصح للحكام، لا يخشى في الله لومة لائم. عندما سأله أحد الأمراء عن سرّ زهده في الدنيا، أجابه قائلاً:

“لأنني رأيت الملوك وأبناء الملوك، يتسابقون إليها ثم يرحلون عنها، فما رأيت أحدًا منهم حملها معه إلى قبره.”

 

أقواله وحكمه

ترك سلمة بن دينار العديد من الحكم والمواعظ التي تدل على عمق فهمه للحياة، ومن أشهر أقواله:

1. “الدنيا سوق، ربح فيها قوم وخسر آخرون.”

2. “من لم يكن له في نفسه واعظ، لم تنفعه المواعظ.”

3. “احذر أن يكون الله أهون الناظرين إليك.”

4. “لا تغتر بالدنيا، فإنما أنت فيها كضيف، والضيف مرتحل.”

 

موقفه مع الخلفاء

كان معروفًا بجرأته في توجيه النصح للخلفاء، فقد دخل على الخليفة سليمان بن عبد الملك، فقال له الخليفة:

“يا أبا حازم، ما لنا نكره الموت؟”

فأجابه بحكمة:

“لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم آخرتكم، فكرهتم الانتقال من العمار إلى الخراب.”

وعندما سأله الخليفة عن حاجة يقضيها له، قال:

“أسألك أن تعينني على نفسي بالتقوى.”

 

وفاته

توفي سلمة بن دينار في أوائل القرن الثاني الهجري، تاركًا خلفه إرثًا من الحكم والمواعظ التي ما زالت تتردد حتى اليوم.

 

الخاتمة

كان سلمة بن دينار نموذجًا للعالم الزاهد الذي جمع بين العلم والعمل، وبين القول والفعل. لم يكن مجرد واعظ، بل كان رجلًا يعيش ما يدعو إليه. بقيت أقواله خالدة في كتب التراث الإسلامي، شاهدة على عظمة هذا الرجل الذي لم تغره الدنيا، ولم يرهبه السلطان، فصار رمزًا للزهد والحكمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى