سيرة طاووس بن كيسان

المقدمة
يُعد طاووس بن كيسان من كبار التابعين وأحد أعلام الفقه والرواية في العصر الأموي. تميز بعلمه الغزير، وزهده، وورعه، حتى صار مرجعًا في الفقه والتفسير والحديث. تتلمذ على يد كبار الصحابة ونقل عنهم العلم، مما جعله من الرواة الموثوقين والمحدثين البارزين.
نسبه ونشأته
هو أبو عبد الرحمن طاووس بن كيسان اليماني، وُلد في اليمن خلال خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان من الموالي، إذ قيل إن أصله فارسي أو من الفرس الذين استقروا في اليمن. نشأ في بيئة علمية ونهل من علوم الصحابة، فكان من أبرز تلاميذ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وكان يتردد على مكة والمدينة طلبًا للعلم.
مكانته العلمية
برع طاووس في الفقه والحديث والتفسير، وكان من أئمة التابعين الموثوقين. أخذ العلم عن عبد الله بن عباس، وسمع من عدد من الصحابة، مثل عبد الله بن عمر، وأبي هريرة، وعبد الله بن الزبير. وكان الإمام الشافعي يعده من كبار أهل الفتوى في زمانه.
روى عنه كثير من العلماء والمحدثين، منهم عمرو بن دينار، والأعمش، وسفيان الثوري، وابن جريج، وغيرهم. وكان يُعرف بدقته في نقل الحديث وتحريه للصحيح، ولذلك اعتمد عليه كبار المحدثين في تصنيف الأحاديث.
زهده وورعه
عُرف طاووس بورعه الشديد وزهده في الدنيا، وكان يخشى الله في كل أموره. من مواقفه المشهورة أنه دخل على هشام بن عبد الملك، الخليفة الأموي، وجلس على الأرض متجنبًا الكرسي، فغضب الخليفة وسأله عن ذلك، فقال: “إني سمعت أن النبي ﷺ قال: من تواضع لله رفعه“.
وكان شديد الحرص على اتباع السنة، حتى إنه رفض تولي القضاء رغم إلحاح الحكام عليه، خوفًا من تحمل المسؤولية أمام الله.
أقواله وحكمه
من أقواله المأثورة:
- “لا يتم نسك إلا بأربع: التعفف، وكف الأذى، وأداء الحقوق، واغتنام الطاعات”.
- “إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحب أن يرى أثرها عليك”.
- “كفى بالمرء إثماً أن يكون مظلومًا فلا ينتصر”.
وفاته
توفي طاووس بن كيسان عام 106 هـ في مكة، وهو في طريقه للحج. رحل تاركًا إرثًا علميًا كبيرًا، وسيرة عطرة في الزهد والورع والعلم.
الخاتمة
كان طاووس بن كيسان من أعلام التابعين، جمع بين العلم والعمل، وبين الفقه والزهد، فكان قدوةً في زمانه وعَلَمًا من أعلام الأمة. ومكانته العلمية والروحية لا تزال تُذكر حتى اليوم، فهو نموذج للعالم الرباني الذي جمع بين المعرفة الحقيقية والخشية الصادقة.