سيرة عامر بن شراحبيل الشعبي

المقدمة
يُعدُّ عامر بن شراحبيل الشعبي أحد أبرز فقهاء التابعين وعلمائهم في الكوفة خلال القرن الأول الهجري. اشتهر بسعة علمه وفقهه الواسع، وكان أحد أعلام التفسير والحديث والفقه. تميّز بذكائه الحاد وسرعة بديهته، مما جعله من أكثر العلماء تأثيرًا في زمانه.
اسمه ونسبه ونشأته
هو عامر بن شراحبيل الشعبي، وُلِد في الكوفة بعد عام 20 هـ، في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. نشأ في بيئة علمية بالكوفة، التي كانت آنذاك مركزًا للعلم والفقه الإسلامي، ما ساعده على التحصيل العلمي السريع والتألق في علوم الحديث والتفسير.
رحلته في طلب العلم
حرص الشعبي منذ صغره على حضور مجالس كبار الصحابة والتابعين، فنهل من علمهم وارتوى من فيض معارفهم. تتلمذ على أيدي عدد من الصحابة، منهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وأبو هريرة، وزيد بن ثابت، وعائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهم. كما أخذ عن كبار التابعين، مما أكسبه مكانة رفيعة بين علماء عصره.
مكانته العلمية
كان الشعبي يُعد من أوائل من دوّن الحديث ونقله بدقة. كما كان فقيهًا متمكنًا، يُستشار في الأمور الدينية والقضائية. وقد تتلمذ على يديه عدد كبير من العلماء، من بينهم أبو حنيفة النعمان، الذي تأثر بفقهه.
من أبرز أقواله في العلم والتعلم:
“إذا جلستَ إلى عالمٍ فكن على أن تسمع أحرصَ منك على أن تقول.”
“العلم ثلاثة: كتابٌ ناطق، وسنةٌ ماضية، ولا أدري.”
زهده وتواضعه
على الرغم من سعة علمه، كان الشعبي زاهدًا في الدنيا، متواضعًا في تعامله مع الناس. لم يكن يحرص على الظهور أو الجاه، بل كان يسعى لنشر العلم وتبسيطه للعامة والخاصة. وكان يُعرف بخفة الظل والفكاهة البريئة التي جعلته محبوبًا بين الناس.
دوره في القضاء والسياسة
عُيِّن الشعبي قاضيًا في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز، وكان يشتهر بعدله ونزاهته في القضاء. كما كانت له مشاركات في السياسة، حيث كان يُستشار في الأمور الكبرى، لكنه لم يكن يسعى للسلطة أو النفوذ.
وفاته
توفي عامر بن شراحبيل الشعبي في حدود سنة 103 هـ عن عمر يناهز الثمانين عامًا، تاركًا إرثًا علميًا ضخمًا، ما زال أثره ممتدًا في الفقه الإسلامي إلى يومنا هذا.
الخاتمة
يُعد الشعبي نموذجًا للعالم الرباني، الذي جمع بين العلم والزهد، وكان مثالًا يُحتذى به في الأخلاق والتواضع. ولا تزال سيرته تُلهم الباحثين وطلاب العلم، فهو من أولئك الذين تركوا بصمة لا تُمحى في تاريخ الفكر الإسلامي.