كتب

عظماء الفراعنة: نافذة على التاريخ المصري القديم كما لم يُكتب من قبل

 

في عالم تتراكم فيه الأساطير والمرويات الشعبية حول الحضارات القديمة، يبرز كتاب “عظماء الفراعنة” للمؤلف السيد إسماعيل نصار كمحاولة جادة لاستعادة وجه التاريخ الحقيقي للحضارة المصرية القديمة. صدر هذا الكتاب في عام 2024 عن وكالة الصحافة العربية، ويقع في 122 صفحة من المعلومات الغنية والتراجم الدقيقة لأشهر ملوك وملكات مصر القديمة، ويمثّل مرجعًا مبسّطًا ومتكاملًا في علم المصريات، وهو ما جعله يحظى باهتمام القارئ العربي المهتم بالتاريخ والآثار.

 

مقدمة الكتاب: استدراك ما فات المؤرخين

يفتتح الكاتب كتابه بتأمل نقدي في الطريقة التي كُتب بها تاريخ مصر القديمة، مشيرًا إلى أن المؤرخين الإغريق والرومان، مثل هيرودوت ومانيتون، اعتمدوا بدرجة كبيرة على الحكايات الشفوية والخرافات والأساطير الشعبية، والتي وإن كانت ذات قيمة أدبية، فإنها تفتقر إلى الدقة التاريخية. هيرودوت، الذي زار مصر في القرن الخامس قبل الميلاد، دوّن ملاحظاته باللغة الإغريقية، لكن كثيرًا مما نقله لم يكن موثقًا، بل منقولاً عن عامة الناس.

أما مانيتون، الكاهن المصري الذي كتب بطلب من الملك البطلمي بطلميوس الثاني، فقد حاول تنظيم التاريخ المصري في صورة سلالات، إلا أن كتابه فُقد مع مرور الزمن ولم يصلنا منه إلا مقتطفات منقولة عن مؤرخين لاحقين. وبالتالي، لم تسعفنا هذه المحاولات بفهم منهجي وعلمي حقيقي لحضارة كانت من أعظم حضارات الأرض.

 

الآثار هي الشاهد الحقيقي

يشدد نصار على أن المصدر الأكثر مصداقية لفهم تاريخ الفراعنة هو ما تركوه بأنفسهم من آثار ونقوش. فالمعابد، والمسلات، والمقابر، والمومياوات، والكتابات الهيروغليفية المحفورة على جدران المعابد، كلها تنطق بحقائق لا يمكن إنكارها. هذه الشواهد المادية، كما يؤكد المؤلف، هي التي أعادت تشكيل وعي العالم الحديث بتاريخ المصريين القدماء، وهي التي استند إليها علم المصريات منذ نشأته في القرن التاسع عشر.

 

محتوى الكتاب: عظماء لا يموتون

يتضمن الكتاب تراجم مفصلة لعدد من أعظم ملوك وملكات الفراعنة، ممن تركوا بصماتهم على الحضارة المصرية القديمة، ليس فقط في مصر، بل في الوجدان الإنساني عمومًا. وسنعرض لأهم هذه الشخصيات التي تناولها الكتاب:

1. توت عنخ آمون: الفرعون الذهبي

يحتل “توت عنخ آمون” مكانة خاصة في الكتاب، حيث يخصص له نصار فصلًا مفصلًا. هذا الفرعون الشاب، الذي حكم مصر في نهاية الأسرة الثامنة عشرة، لم يكن معروفًا كثيرًا في التاريخ حتى عام 1922، عندما تم اكتشاف مقبرته السليمة تقريبًا في وادي الملوك على يد المستكشف البريطاني هوارد كارتر وبتمويل من اللورد كارنارفون. ويُعدّ هذا الاكتشاف من أعظم الاكتشافات الأثرية في القرن العشرين، فقد كشفت المقبرة عن كنوز هائلة، من بينها القناع الذهبي الشهير للملك، والأسِرّة، والعجلات الحربية، والمجوهرات، والأدوات الملكية، التي تعكس رفاهية الحياة في القصر الملكي الفرعوني.

كما يعرض الكتاب ترجمة للورد كارنارفون، ويشير إلى القصيدة التي نظمها أمير الشعراء أحمد شوقي في توت عنخ آمون، والتي تضيف بُعدًا أدبيًا وإنسانيًا إلى السرد التاريخي.

2. رمسيس الثاني: ملك الحرب والسلام

يُعدّ رمسيس الثاني، الذي حكم مصر لأكثر من 66 عامًا، أحد أعظم الملوك المحاربين في التاريخ القديم. وقد خاض معركة قادش ضد الحيثيين، وهي واحدة من أشهر المعارك التي دُوّنت بتفصيل على جدران المعابد مثل معبد أبي سمبل. كما كان عصره عصر ازدهار عمراني، شهد بناء العديد من المعابد والتماثيل، وارتبط اسمه بعقد أول معاهدة سلام موثقة في التاريخ.

3. أخناتون: النبي الفيلسوف

يركز الكتاب أيضًا على شخصية أخناتون، الملقب بالملك الفيلسوف أو الملك المارق، الذي أحدث ثورة دينية كبرى بإعلانه عبادة الإله الواحد “آتون” بدلًا من تعدد الآلهة، ونقل العاصمة إلى “أخيتاتون” (تل العمارنة). ويحلل الكاتب الظروف السياسية والدينية التي رافقت هذه الثورة، والانقسامات التي أحدثها أخناتون في المجتمع المصري.

4. حتشبسوت: أول امرأة تحكم كفرعون

لم تغفل صفحات الكتاب عن الحديث عن حتشبسوت، واحدة من أقوى النساء في تاريخ البشرية. حكمت كفرعون لمصر بعد وفاة زوجها تحتمس الثاني، وأثبتت كفاءة لا تقل عن أعظم الملوك. ازدهرت التجارة في عهدها، وأمرت ببناء معبدها الشهير في الدير البحري بالأقصر، وهو من أروع المعابد التي تركها المصريون القدماء.

 

الأسلوب والمنهج

ما يميز الكتاب عن غيره من كتب علم المصريات، هو الأسلوب السلس والتسلسل الزمني المنضبط، إلى جانب حرص المؤلف على ذكر الأبعاد الإنسانية والثقافية لشخصيات الفراعنة، وعدم الاكتفاء بسرد الوقائع السياسية والعسكرية فقط. كما يربط الكاتب بين الإنجازات الأثرية والتاريخية وبين الحياة اليومية للمصريين القدماء، في محاولة لرسم صورة شاملة للحضارة.

 

نقد الكتاب: بين التبسيط والعمق

يُحسب للمؤلف حرصه على التحرر من الأساطير وإعادة كتابة التاريخ من منطلق علمي. لكن في بعض المواضع، قد يشعر القارئ المتخصص أن الكتاب يبسط بعض القضايا الجدلية التي لا تزال محل نقاش بين علماء الآثار والمؤرخين، مثل التفسير الدقيق لثورة أخناتون، أو الغموض المحيط بوفاة توت عنخ آمون.

ومع ذلك، فإن الهدف الواضح للكتاب هو الوصول إلى القارئ العام وتقديم مدخل ثقافي سهل وممتع إلى تاريخ مصر، دون أن يغرق في التفاصيل الأكاديمية المعقدة.

 

خاتمة

في كتابه “عظماء الفراعنة”، لا يسرد السيد إسماعيل نصار تاريخ مصر القديم فحسب، بل يعيد تقديمه في صورة حياة نابضة بالحركة والإنجازات والرموز الخالدة. ومن خلال تراجم الفراعنة، وتحليل الآثار، ورصد التحولات السياسية والدينية، يصبح هذا العمل محاولة ناجحة لجعل الماضي حاضراً في وعي القارئ العربي. إنه كتاب يليق بأن يكون بوابة لكل من يريد فهم عبقرية المصري القديم، التي لا تزال تبهر العالم حتى يومنا هذا.

 

 

لمعرفة المزيد: عظماء الفراعنة: نافذة على التاريخ المصري القديم كما لم يُكتب من قبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى