كتب

 قراءة في كتاب “لماذا يجرح الحب”

“لقد غيَّر الحب شكله بمعنى أنه غيَّر الطرق التي يؤلم بها” تناقش الكاتبة أولاً ضرورة تناول تجربة الحب ضمن أبعادها العديدة، والعوامل المؤثرة فيها، فالحب غير مقتصر على الجانب النفسي، والإطار الذي يتشكل فيه لا يكون نفسياً ذاتياً فحسب، بل تشكله النظم الاجتماعية والقوالب الثقافية المعترف بها، والقيم المجتمعية العامة والمُقررة مسبقاً، أي أنَّ خوض تجربة الحبُّ، في شتى العصور، هو خوضٌ في تجربة اجتماعية نفسية في المقام الأول، في حين تُركز الحداثة اليوم على الجانب النفسيِّ فقط، متجاهلة “الأضرار الجانبية”، بعبارة زيجمونت باومان، لهذا الحصر على نظرة الإنسان لذاته وتقييمه لها وللتجربة التي يعيشها.

تناقش الكاتبة معضلة الاختيار اليوم والألم النفسي الناتج عنها، فتعدُّد خيارات المرء يورثه الحيرة والارتباك والقلق بشأن قراره سواءً اتخذه أم لا، لا سيَّما أنه “حرُّ الخيار”، أي أنه يتحمل مسؤولية قراره وحده تبعاً للجاهزية النفسية لديه وخلفيته المعرفية والثقافية، والتي غالباً ما تكون محدودة وفي طور البناء، وفي حاجة إلى نظم أخلاقية اجتماعية وثقافية تعينه وترشده. في المقابل، ناقشت الكاتبة محدودية الخيارات في العصر الما قبل حداثي، والكيفية التي ارتبطت بها تجربة الحب بالكثير من العوامل الاجتماعية والاقتصادية وحتى الطبقية، ورغم أنها لا تشير إلى أية أفضلية، فإنها تلتمس المواضع التي أصابت بها إحدى الثقافتين في إدراك أهمية الجانب الاجتماعي من الحب، والعون الذي يحتاجه صاحبه من المجتمع خلال خوضه هذه التجربة.

وإذ صار القرار فردياً اليوم فإنَّ التجربة صارت مُمأسسة، بمعنى أن فرضت ثقافة الاستهلاك شروطها ومبادئها الموضوعية والنفعية على تجربة إنسانية عاطفية اجتماعية، فعقلنتها وطبعتها بطابعها، فصارت هناك أبعاد أخرى للتجربة، كالتجربة الإيروتيكية والجنسانية وتعظيم المظهر الخارجي، وتقديس تلبية الحاجات الفردية والتأكيد المستمر على الذات وتفضيلاتها وميولها، وتعظيم الاستقلالية الفردية وتحوير معناها ليكون على الضد من التبعية الصحية التي يتضمنها الحب بالضرورة.

 

[المصدر: منصة عمق]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى