قصص

قصة البدوي وحسد الوزير

يحكى أنّ رجلاً بدوياً من عامّة العرب دخل على الخليفة المعتصم يوماً فسامره ونادمه فأعجبَ بهِ فقرّبه وأدناه، إلى أن صار يدخل عليه من غير استئذان. وكان للخليفة وزيرٌ حاسدٌ حاقدٌ أخذَ يغار من البدويّ ويحسدهُ لدنوِّ منزلته من الخليفة! فقرر الكيد به والتخلّصَ منه من خلال خطّةٍ مُحكمة رسمها في رأسه. أخذ الوزير يتلطف بالبدويِّ حتّى استضافهُ في منزله، وطبخ له طعاماً أكثر فيه الثوم (علماً أنّه على موعدٍ مع الخليفة بعد سويعاتٍ) وبعدما أكل البدويُّ وشبعَ، قال له الوزير: اعتذرُ منكَ عن الثّوم المُزادِ في الطعام خطأً !! وإني أنصحكَ أن تحذر الاقترابَ من الخليفة فيشمَّ منك رائحة الثّوم فإنّه يتأذّى من ذلك!! وأهداه وشاحاً ليلفّ به وجهه ويحبس نَفَسَ فمه. ثم ذهبَ الوزير للخليفةِ مسرعاً حتى خلا به وهمسَ في أذنه قائلاً: يا أمير المؤمنين إنّ البدويَّ يقولُ للناس عنكَ أنّك رجلٌ أبخر! (أي ذا رائحةَ فمٍّ كريهة)! وإنه لأجل ذلك يتعمّدُ وضعَ وشاحٍ على وجهه يلفُّ به فمه حتى لا يشمّ ريحك أثناء الحديث! وبالفعل لما دخل البدويُّ على الخليفة كانَ ملثّمَ الوجه من ناحية الفم مخافةَ أن يشمّ الخليفةُ رائحة الثوم منهُ فيؤذيهِ بها. لكنّ الخليفةَ لمّا رآه على هذا الحال جُنّ جنونه وتيقّن من مقولة الوزير الحاسد الحاقد! فما كان منه إلا أن كتب كتاباً مختوماً، وأبرقهُ مع البدويّ إلى أحد عمّاله يقول فيه: إذا وصل إليكم كتابي هذا فاضربوا عُنُقَ حامله. حمل البدوي كتاب الملك وخرج به من مجلسه والوزير يرقب ذلك! فظنّ أن الخليفة أمر له بعطاءٍ كعادته مع البدويّ بعد كلّ مجلسٍ، فسأله أن يحمل كتاب الخليفة هذه المرة فينال أعطية الملك بدلاً عنه. وبالفعل أعطى الأعرابي الكتاب للوزير دونما ترددٍ شكراً منه لهُ على دعوة الغداء الفاخرة التي دعاه لها في بيته. هنا سار الوزير بالكتاب إلى عاملِ الخليفة، وفُضّ الكتاب الممهور فإذا به: أمرٌ بضرب عنقِ حاملِ الكتابِ! وبالفعل تمّ أمر الخليفة ولقي الوزير حتفه.

وبعد أيامٍ وكعادة البدوي رجع لمجلس الخليفة ولكن دونما وشاحٍ على وجهه وفمه، وما أن رآه الخليفة حتى تعجّب إلى أن بدا عليه ذلك جلياً، فسأله البدوي عن سبب تعجبه؟ قال الخليفة ألم تحمل كتابي الذي أمرتك لعاملي؟ قال نعم، ثم قصّ عليه القصة وأن الوزير طلب حمل الكتاب بنفسه ليحظى بأعطية الخليفة، وهنا تنبه الخليفة لأمر البدوي دونما وشاحٍ فسأله عن سبب ارتدائه ذاك اليوم، فقصّ عليه القصة ودعوة الوزير، وطعام الثوم، وخشية أن يؤذي الخليفة برائحة فمه. فتنبه الخليفة لمكيدة الوزير وما دفعه حقده وحسده أن ينسجه في ذهن الخليفة ليتخلّص من البدوي المقرّب منه فإذا بها تودي به. هنا أنشد الخليفة يقول: ” للهِ درُّ الحسدِ ما أعدَلَه بدأ بصاحبهِ فقتله”

نعم يا إخوتي، إياكم والحسد فهو رأس كلّ مصيبةٍ وشرّ. إنه كالنّار المُستعرةِ لا يُبقي ولا يذر، وأولُ ما يحرق (يحرقُ صاحبه). لطالما أحرق الحسد بيوتاً عامرة وأسراً متحابّة وفرّق بين الزوجين والحبيبين والصاحبين.

 

 

 

[المصدر: موقع قصص قصيرة ولها عبرة كبيرة]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى