سير

قصة مارجريت

عندما كانت “مارجريت” طفلة صغيرة، مات والداها، وتكفل برعايتها زوجان شابان يشبهان أبويها فقرًا وحنانًا، عاشت معهما إلى أن بلغت، ثم تزوجت وأنجبت طفلًا، غير أن زوجها ما لبث أن مات هو أيضًا، ثم تبعه الطفل كذلك، فأصبحت “مارجريت” وحيدة في الدنيا. كانت فقيرة، لكنها كانت قوية وتعرف كيف تعمل.
كانت تقوم، طوال اليوم من الصباح حتى المساء، بكي الملابس بإحدى المغاسل. وكانت كل يوم، بينما تعمل بجوار النافذة، ترى الأطفال الصغار فاقدي أمهاتهم من دار الأيتام المجاورة وهم يعملون ويلعبون. وبعد فترة، انتشر في المدينة مرض خطير، مات على أثره الكثير من الآباء والأمهات، حتى أصبح عدد الأيتام أكبر من طاقة الدار على رعايتهم، فأصبحوا حينئذٍ بحاجة إلى صديق حميم. هل لك أن تتخيل أن امرأة فقيرة في مغسلة يمكنها أن تكون لهم أكثر من صديق؟ لكن “مارجريت” كانت لهم الصديق؛ فقد توجهت مباشرة نحو الأخوات الفاضلات القائمات على إدارة دار الأيتام وأخبرتهن بأنها تعتزم منحهم جزءًا من راتبها، وأنها ستعمل على خدمتهم بجانب عملها. وسرعان ما أخذت تعمل بجد واجتهاد حتى تمكنت من توفير بعض المال من راتبها. وبهذا المال، قامت بشراء بقرتين وعربة نقل صغيرة. ومن ثم كانت، كل صباح، تحمل اللبن إلى الزبائن في تلك العربة، وفي طريقها كانت تستجدي بقايا الطعام من الفنادق ومنازل الأغنياء، وتحمله معها في العربة إلى الأطفال الجوعى بدار الأيتام. وفي أحلك الأوقات كان ذلك هو كل ما يملكه الأطفال من طعام غالبًا.
كان جزءاً من دخل “مارجريت” يذهب بصفة أسبوعية لدار الأيتام، وبعد مرور بضع سنوات صارت الدار أكبر وأفضل بكثير. وكانت “مارجريت” شديدة الحرص والاهتمام بالعمال حتى إنها – رغم عطائها – كانت تكسب مزيدًا من المال وتشتري مزيدًا من الأبقار. وهكذا، استطاعت أن تبني دارًا للرضع الأيتام؛ وأسمتها بيت الأطفال.
وبعد فترة، أتيحت لـ “مارجريت” فرصة للحصول على مخبز، ومن ثم أصبحت بائعة الخبز بدلًا من بائعة اللبن- فكانت تحمل الخبز تمامًا كما كانت تحمل اللبن على عربتها. ولم تتوقف عن إمداد الدار بالمال.
بعدها حدثت الحرب الكبرى – الحرب الأهلية. وفي خضم الاضطراب والمرض والخوف الذي ساد في ذلك الوقت، كانت “مارجريت” تقود عربة الخبز، ودائمًا ما كانت تملك ما يكفي للجنود الجوعى بشكل أو بآخر، ولأطفالها، بجانب ما كانت تبيعه. ورغم ذلك كله، كانت تكسب ما يكفي لدرجة أنها تمكنت من بناء مصنع بخار ضخم لكي تصنع الخبز بعد انتهاء الحرب. وعندئذ عرفها كل سكان المدينة، وأحبها أطفال المدينة جميعًا، وكان رجال الأعمال فخورين بها، وكان الفقراء يهرعون إليها من أجل النصيحة. فقد اعتادت أن تجلس عند باب مكتبها المفتوح مرتدية رداءً قطنيًّا وشالًا صغيرًا، وتلقي كلمات حكيمة للجميع، غنيًّا كان أم فقيرًا.
وبعد فترة ليست بالطويلة، ماتت “مارجريت”. وعندما حان وقت الإطلاع على وصيتها، وجد الناس أنها، مع كل ما قدمت من عطاء، كانت لا تزال تدخر كمًّا كبيرًا من المال – ثلاثين ألف دولار- وأنها تركت كل سنت منه لدور الأيتام المختلفة بالمدينة- حيث أعطى كل منها جزءًا من المال. وسواء أعطيت للبيض أو السود، أو لأصحاب أية ديانة، فلم يكن هناك فرق؛ إذ كانت “مارجريت” تقول دائمًا: “كلهم سواء في اليتم”. ولك أن تتخيل أن تلك الوصية الحكيمة الرائعة وقعت بختم بدلًا من الاسم، لأن “مارجريت” لم تتعلم القراءة والكتابة قط!
وعندما علم أهل نيو أورليانز بوفاتها، قالوا: “لقد كانت أمًّا لمن لا أم له، وكانت صديقة لمن لا صديق له، وكانت تتمتع بحكمة أعظم مما تدرس في المدارس. لن ننسى ذكراها أبدًا” لذا صنعوا لها تمثالًا بجسدها كما كانت تبدو تمامًا، جالسة في مكتبها أو تقود عربتها الصغيرة. وهو الآن منصوب بالمدينة تخليدًا لذكرى الحب الكبير والطاقة العظيمة اللذين كانا يصدران من تلك السيدة البسيطة. “مارجريت هوفري”، التي كانت تعيش بمدينة نيو أورليانز.

سارة كون بريانت
قدمتها روشيل بنينجتون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى