كتاب "عديمو الجنسية في الخليج: الهجرة والجنسية والمجتمع في الكويت" للمؤلفة كلير بوغراند — تحليل أكاديمي لمجتمع المهمّشين في دولة الريع

تعد قضية عديمي الجنسية (البدون) واحدة من أكثر القضايا الاجتماعية والسياسية حساسية في منطقة الخليج العربي، لا سيما في دولة الكويت، حيث يواجه عشرات الآلاف من السكان وضعًا قانونيًا هشًا ينعكس على حقوقهم في التعليم، العمل، الرعاية الصحية، والاعتراف الرسمي. في هذا السياق، يأتي كتاب الباحثة الفرنسية كلير بوغراند بعنوان:
“عديمو الجنسية في الخليج: الهجرة والجنسية والمجتمع في الكويت”
()Stateless in the Gulf: Migration, Nationality and Society in Kuwait)،
الصادر عن دار النشر I.B. Tauris عام 2016، كمساهمة نوعية لفهم هذه الأزمة في بعدها التاريخي والاجتماعي والسياسي.
المؤلفة وخلفية الكتاب
كلير بوغراند، باحثة متخصصة في العلوم السياسية والاجتماعية، ركّزت في أطروحتها للدكتوراه على قضية البدون في الكويت، وقامت بإجراء عدد من المقابلات الميدانية والدراسات الوثائقية لتشكيل رؤية تحليلية معمّقة حول هذه الشريحة السكانية. يعتمد الكتاب على دراسة ميدانية معمقة، تدعمها مراجعة تاريخية وسياسية لمفهوم الجنسية في الكويت، كما تستند إلى أدوات تحليلية مستمدة من علم الاجتماع السياسي.
الهيكل العام للكتاب
يتكون الكتاب من ثمانية فصول رئيسية، إلى جانب مقدمة وخاتمة، يتناول كل منها جانبًا من تطور قضية البدون، منذ نشوء الدولة الكويتية الحديثة وحتى يومنا هذا. تركّز المؤلفة على تتبع التغيرات في سياسات الدولة تجاه هذه الفئة، من التقبل إلى التهميش، وعلى الكيفية التي تؤثر بها الهياكل الاجتماعية والسياسية في تشكيل سياسات الجنسية والانتماء.
الفصل الأول: جذور الهجرة وتكوين الدولة يفتتح الكتاب بمناقشة تاريخ الهجرة في شبه الجزيرة العربية، مع التركيز على تكوين الدولة الكويتية بعد استقلالها عام 1961. تشير بوغراند إلى أن كثيرًا من المهاجرين في تلك الفترة جاءوا من مناطق مختلفة، مثل السعودية والعراق وإيران، للعمل في الجيش أو الشرطة أو الرعي، ولم تكن هناك في البداية آلية واضحة لتعريف من هو “المواطن” الكويتي، ما فتح المجال لاحقًا لنشوء فئة “البدون”.
الفصل الثاني: اختراع المواطنة في هذا الفصل، تسلط المؤلفة الضوء على المراحل التي مر بها قانون الجنسية الكويتي منذ صدوره عام 1959، وكيف تمّ استخدامه كأداة سياسية لتحديد من يُعترف به كمواطن ومن يُقصى. تؤكد بوغراند أن المواطنة لم تكن مسألة قانونية بحتة، بل كانت مشروطة بالولاء السياسي والانتماء القبلي.
الفصل الثالث: البدون كفئة مستثناة تتناول بوغراند في هذا الفصل مفهوم “الاستثناء القانوني”، إذ تُعرض فئة البدون كمجموعة لا تنتمي إلى أي كيان رسمي، ولا تملك أوراقًا ثبوتية، مما يضعها في حالة “لا دولة”. تؤكد الكاتبة أن هذا الوضع ليس عفويًا، بل نتيجة متعمدة للسياسات الرسمية، خاصة بعد الغزو العراقي للكويت عام 1990، حيث وُصم الكثير من البدون بعدم الولاء.
الفصل الرابع: ما بعد الغزو – التحول في السياسة تعرض المؤلفة الفترة التي تلت تحرير الكويت، وكيف شكّلت تلك المرحلة نقطة تحوّل حاسمة في تعامل الدولة مع البدون. فمع تزايد الخطاب الأمني، أصبح يُنظر إليهم كخطر داخلي، وانخفضت فرص تسوية أوضاعهم القانونية، بل وجرى منعهم من التوظيف في مؤسسات الدولة، والضغط عليهم للهجرة الطوعية.
الفصل الخامس: معاناة يومية – شهادات ومقابلات تتضمن هذه الفصول تقارير ومقابلات ميدانية أجرتها المؤلفة مع أفراد من البدون، تتناول حياتهم اليومية، التحديات التي تواجههم في التعليم والصحة والزواج والتنقل. تكشف هذه الشهادات عن المعاناة النفسية والاجتماعية العميقة التي يعيشها هؤلاء الأشخاص نتيجة انعدام الهوية القانونية.
الفصل السادس: استراتيجيات التكيّف والمقاومة تتناول بوغراند الطرق التي يحاول من خلالها البدون التكيف مع واقعهم، بما في ذلك اللجوء إلى التعليم الخاص، العمل في الاقتصاد غير الرسمي، وتكوين شبكات دعم أهلية. كما تشير إلى نشاط بعض الحركات الحقوقية التي يقودها شباب من البدون عبر وسائل التواصل الاجتماعي للمطالبة بحقوقهم.
الفصل السابع: البعد الإقليمي والدولي تمضي المؤلفة لتربط قضية البدون بالسياق الخليجي الأوسع، مشيرة إلى وجود فئات مشابهة في السعودية، والإمارات، وقطر. كما تطرح سؤالًا مهمًا حول دور المجتمع الدولي في الضغط على الحكومات الخليجية، وتنتقد ضعف تجاوب المؤسسات الدولية مع هذا الملف الحساس.
الفصل الثامن: إعادة التفكير في المواطنة في ختام الكتاب، تدعو المؤلفة إلى إعادة تعريف مفهوم المواطنة في دول الخليج، ليكون قائمًا على الحقوق المتساوية، وليس على الهوية القبلية أو الولاء السياسي. تشير إلى أن هذه الدول، رغم ثرائها، لم تطور نموذجًا شاملاً للمواطنة يشمل جميع من يعيشون على أرضها، وهو ما قد يؤدي إلى توترات اجتماعية مستمرة.
القضايا الرئيسية التي يعالجها الكتاب
1. الهوية والمواطنة: يسلط الكتاب الضوء على العلاقة المتشابكة بين الجنسية والانتماء السياسي.
2. الدولة والسلطة: كيف تستخدم الدولة الخليجية سياسات الجنسية كأداة للضبط والسيطرة.
3. الهامشية القانونية: دراسة معمقة لحالة العيش في منطقة “الظل القانوني” لآلاف البشر.
4. أثر الغزو العراقي: كحدث مفصلي أعاد تشكيل النظرة إلى فئة البدون.
5. الإعلام والمقاومة الرقمية: تحوّل قنوات الاحتجاج من الشارع إلى الفضاء الرقمي.
منهجية البحث
تعتمد بوغراند على المنهج النوعي والتحليل السوسيولوجي والسياسي، مستخدمة أدوات مثل المقابلات الميدانية، تحليل الخطابات الحكومية، ورصد تطور التشريعات. ويتضح في أسلوبها تأثير مدرسة ماكس فيبر في تحليل البيروقراطية، وميشيل فوكو في دراسة العلاقة بين المعرفة والسلطة.
أهمية الكتاب
يُعد هذا الكتاب من الأعمال القليلة التي تناولت قضية البدون من منظور علمي مستقل، وغير خاضع للرقابة الرسمية. كما أنه يُسهم في توسيع نطاق النقاش حول المواطنة والهجرة في الخليج، ويقدّم مرجعًا مهمًا للباحثين، وصنّاع القرار، ونشطاء حقوق الإنسان.
خاتمة
تمثل دراسة كلير بوغراند حول البدون في الكويت مساهمة نادرة وعميقة في فهم واحدة من أخطر وأطول أزمات المواطنة في العالم العربي. فهي لا تكتفي برصد الواقع، بل تدعو لإعادة النظر في الأسس القانونية والاجتماعية للمواطنة، وتحذر من تجاهل هذه القنبلة الاجتماعية الموقوتة. إن “عديمو الجنسية في الخليج” ليس مجرد كتاب أكاديمي، بل صرخة إنسانية وأخلاقية تضعنا أمام مسؤولياتنا تجاه فئة من البشر حُرموا من أبسط حقوقهم لاعتبارات سياسية أو تاريخية.
لمعرفة المزيد: كتاب “عديمو الجنسية في الخليج: الهجرة والجنسية والمجتمع في الكويت” للمؤلفة كلير بوغراند — تحليل أكاديمي لمجتمع المهمّشين في دولة الريع