لم تكن للأكل وإنما لاستعراض المكانة الاجتماعية العالية “قصة اكتشاف الأناناس”
إذا كنتَ من محبي فاكهة الأناناس، وتستطيع شراءها ببساطة كلما أردت ذلك، بسبب توفرها بكثرة في الأسواق الكبرى، ومحلات بيع الفواكه، فإنك محظوظ، لأن الأمر قديماً، وبالضبط أواسط القرن الـ17، لم يكن كما هو عليه الآن.
إذ إن الأناناس كان حكراً فقط على الطبقة الغنية، والأرستقراطية، الذين كانوا يشترونه بغرض الزينة، لا الأكل، فيما كان البعض يقوم باستئجاره للتباهي به في بعض المناسبات الخاصة، لعدم قدرتهم على شرائه.
كما أن فاكهة الأناناس كانت رمزاً شهيراً من رموز المكانة العالية في المجتمع، وتبقى اللوحة التي تعود لسنة 1675، والتي يظهر فيها ملك إنجلترا تشارلز الثاني وهو يستلم حبة أناناس من البستاني، أبرز ما يعزز هذه الظاهرة التي استمرت لأكثر من عقدين ونصف من الزمن.
كانت بداية اكتشاف فاكهة الأناناس على يد الرحالة الإيطالي كريستوفر كولومبوس، مكتشف العالم الجديد (القارة الأمريكية)، وذلك سنة 1493، وذلك بالضبط في جزيرة غوادلوب في البحر الكاريبي، بالرغم من أن موطنها الأصلي هو أمريكا الجنوبية.
قام كولومبوس بنقل هذه الفاكهة إلى أوروبا، وبالضبط إسبانيا، حيث أعجب الناس هناك جداً بطعمها الحلو، وشكلها الغريب والمختلف آنذاك.
ومن أجل تقريب هذه الفاكهة إليهم حاول الإسبان زراعة الأناناس، إلا أن تجاربهم باءت بالفشل، وذلك لأنه يحتاج إلى بيئة ومناخ استوائي لمساعدته على النمو.
ومن أجل الحصول على هذه الفاكهة كان عليهم استيرادها من موطنها الأصلي، إلا أن هذه العملية كانت صعبة جداً ومكلفة، بسبب الرحلة التي تستغرق وقتاً طويلاً، قد تدوم لعدة أسابيع، الشيء الذي في كثير من الأحيان يؤدي إلى حصولهم على ثمار فاسدة وغير صالحة للاستهلاك.
في منتصف القرن الـ17 أصبحت فاكهة الأناناس رمزاً للثراء والغنى، ولا يمكن أن يحصل عليها إلا كل من له مكانة عالية في المجتمع، وينتمي إلى طبقة النبلاء.
وقد كانت بداية التباهي بحبات الأناناس من بريطانيا، التي كانت تصلها من الباربادوس، فكانت عملية الشحن مكلفة جداً، الشيء الذي جعلها حكراً على من له القدرة المالية على شرائها، ووضعها على قمة جبل من الفواكه الأخرى، لتكون ظاهرة وبارزة بشكل كافٍ أمام الحضور.
الأناناس بالرغم من كونه عُرف بطعمه الحلو واللذيذ جداً، والذي كان قادراً أن يسيل لعاب أي شخص يسمع عنه لأول مرة، فإن أغلب من كانوا يشترونه كانوا يمتنعون عن أكله، ويحتفظون به كأداة للزينة والتباهي لا غير.
فقد كان بعض من هم من الطبقة الغنية يحملونه معهم في تجمعاتهم، أو يضعونه على رأسهم، ليكون واضحاً بين الجميع، وذلك للكشف عن مكانته، وثروته الكبيرة.
وحسب ما نشره جون أفلين، مدون يوميات ملك إنجلترا تشارلز الثاني، نقلاً عن شبكة “CNN”، فإن هذا الأخير قام باستيراد حبة أناناس لأول مرة من بربادوس، سنة 1668، خصيصاً لتقديمها في مأدبة عشاء بحضور السفير الفرنسي، الذي حضر من أجل تسوية الخلاف بخصوص أحقية ملكية جزيرة سانت كيتس.
وقام ملك إنجلترا حينها بتقطيع هذه الحبة أمام السفير، وتذوّقها لأول مرة، وذلك لاستعراض وإظهار مدى قوة دولته، وأحقيتها بامتلاك تلك الجزيرة المتنازع عليها.
كان يصل سعر حبة الأناناس حينها لما يعادل 15000 دولار أو أكثر، حسب قيمة الدولار الحالي، لذلك كان من الشائع استئجار حبة الأناناس الواحدة من محلات خاصة بذلك، وعرضها من حدث لآخر، إلى أن تفسد وتصبح غير صالحة للاستهلاك أو للزينة.
وقد تطور قطاع استئجار الأناناس بشكل كبير في بريطانيا، لدرجة أصبح من هم أقل ثراء يستطيعون استئجار الحبة الواحدة، واستعراضها، لمحاولة التظاهر بأنهم يملكون مالاً أكثر مما هو عليه الوضع في الحقيقة.
كما أن صناع الخزف والمنحوتات الخشبية أصبحوا يقومون بتصنيع قطع أثاث أو أوانٍ وغيرها، على شكل أناناس، وبيعها بمبالغ خيالية، بسبب القيمة الكبيرة التي تمتلكها، والشعبية التي حصلت عليها في كل البلاد.
وقد عرفت هذه الحركة التجارية رواجاً كبيراً، رغبةً من الطبقة الغنية في تذكير المارة بالقرب من منازلهم، أو الزوار، أنهم محسوبون على أصحاب المكانة الرفيعة في المجتمع.
ومن أجل تقريب الأناناس، والتمكن من الحصول عليه بشكل أسهل، قام الملك تشارلز الثاني، بتوفير بيئة مناسبة لزراعة هذه الفاكهة، من خلال بناء ما يسمى دفيئات، التي تساعد على نمو هذه الفاكهة، وكأنه في موطنه الاستوائي الأصلي.
وفي سنة 1675، تمكَّن البستاني المكلف بزراعة هذه الفاكهة من الحصول على أول ثمرة، وهي تلك التي تم رسمها في اللوحة الفنية، التي تظهر لقطة تسلم الملك تشارلز الأناناس من البستاني، إذ أراد تخليد هذه اللحظة التي كانت بالنسبة له مهمة جداً، بسبب صعوبة الوصول إلى هذه الفاكهة النادرة.
ومع مرور السنين أصبحت كلمة الأناناس تستعمل للتعبير عن كل ما هو نادر أو مهم، أو له قيمة، ومن بين هذه العبارات، تلك التي تقول “لا شيء يرضي ذوقي غير الأناناس”.
كما أن هذه الفاكهة كانت دائماً معرّضة للسرقة مِن الخدم المسؤولين عن نقلها من مكان لآخر، وكأنها جوهرة نادرة، إذ كانوا يطمحون للحصول على ثروة كبيرة من خلال بيع وتأجير هذه الثمرة الفريدة.
مع بداية العصر الفيكتوري، عندما أصبحت زراعة الأناناس مزدهرة في بريطانيا، تحولت من فاكهة نادرة إلى شيء في متناول الكثيرين.
لتفقد بذلك قيمتها التي اكتسبتها عندما كان يتم تصديرها من العالم الجديد، وكانت موجودة فقط في قصور الملوك، ومن هم من الطبقة الأرستقراطية.
مع العلم أنه كانت تتم زراعتها في البداية فقط في بيوت الأغنياء، الذين يستطيعون توفير المعدات الخاصة لنموها، خصوصاً مالكي الأراضي منهم.
فقد كان سعر هذه المعدات حينها يصل إلى ما يعادل اليوم تقريباً 28 ألف جنيه إسترليني، مع احتمالية عدم وجود أي عائد، أو نجاح عملية الزراعة.
وفي بداية القرن الـ19، قرر الأغنياء تمييز أنفسهم من جديد، واختيار عنصر مختلف، يمكنهم من التباهي أمام الآخرين، ليقع الاختيار على الكرفس، الذي كانت زراعته حديثة حينها، وكان سعره مرتفعاً جداً، فاق سعر الأناناس نفسه.
فقد كان الكرفس يوضع وسط طاولة الطعام، على شكل باقة ورد نادرة وغالية، الشيء الذي دفع بأصحاب الخزف للتحرك من جديد، واستغلال الأمر، عن طريق تصميم مزهريات خاصة بشكله المختلف، لتزيد من قيمته السوقية.
ومع ذلك، بقيت قيمة الأناناس مرتفعة مقارنة بباقي أنواع الفواكه الأخرى، خصوصاً أنه تم اكتشاف أكثر من 50 نوعاً، التي تم تطويرها في مختلف دول العالم.
كما أن عملية زراعته وتصديره لم تعد أمراً معقداً، مع تطور التكنولوجيا، الشيء الذي جعل كل من هم من الطبقة المتوسطة يستطيعون شراء هذه الفاكهة بكل أريحية، وإدخالها في نظامهم الغذائي، بعيداً عن استعمالها كنوع من مظاهر الترف والغنى بين الناس.
[المصدر: موقع عربي بوست]