كتب

"ما الأمة؟" – في سؤال الهوية والكيان السياسي

 

مقدمة: بين البديهية والإشكال

يرى د. نادر كاظم، محرر هذا الكتاب، أن العرب كثيرًا ما يتعاملون مع مفهوم “الأمة” وكأنه أمر بديهي لا يحتاج إلى نقاش. فقد شغل هذا المفهوم الخطاب السياسي والثقافي العربي طوال قرن على الأقل، منذ النهضة وحتى مشروعات الوحدة العربية. لكن المفارقة أن “الأمة” كمفهوم فلسفي وسياسي لا تزال مثار جدل واسع بين المفكرين، شرقيين وغربيين، وهو ما يسعى هذا الكتاب إلى استكشافه.

أهمية الكتاب وأهدافه

يهدف هذا العمل إلى تقديم نظرة موسعة ومعمقة حول تطور مفهوم “الأمة” وتحولاته الفكرية. فبدلًا من تقديم تعريف جامد ونهائي، يعرض الكتاب سردًا تاريخيًا وتحليليًا لمختلف التفسيرات النظرية حول:

  • كيف تنشأ الأمم؟
  • ما الفرق بين الأمة والدولة؟
  • هل الأمة كيان طبيعي أم بناء اجتماعي؟
  • ما علاقة الأمة باللغة، الدين، العِرق، والتاريخ؟

من خلال هذا التنوع، يكشف الكتاب أن “الأمة” ليست فكرة واحدة، بل حقل دلالي معقد ومتغير.

أبرز المفكرين والنصوص المترجمة

1. إرنست رينان – محاضرة “ما الأمة؟” (1882)

رينان يفكك الفكرة التقليدية القائلة إن الأمة تقوم على وحدة العرق أو اللغة. ويقدم تعريفًا شهيرًا لا يزال يتردد إلى اليوم:

“الأمة استفتاء يومي، ورغبة مستمرة في العيش المشترك.”

رينان يربط الأمة بالذاكرة الجمعية والنسيان المشترك، لا باللغة أو الدين.

2. جوزيف ستالين – مقال “الماركسية ومسألة القومية” (1913)

يرى أن الأمة ليست فكرة مجردة، بل كيان اجتماعي محدد بأربعة عناصر أساسية:

  1. وحدة اللغة
  2. وحدة الإقليم
  3. وحدة الحياة الاقتصادية
  4. وحدة التكوين النفسي والثقافي

يمثل هذا النص المدخل الكلاسيكي للفكر الماركسي حول القومية.

3. بندكت أندرسون – مفهوم “الجماعات المتخيلة” (1983)

يُعد من أهم المفكرين في حقل دراسات القومية. يرى أن:

“الأمة مجتمع متخيل، لأن أعضاءها رغم عدم معرفة بعضهم البعض شخصيًا، يتخيلون أنهم جزء من كيان جماعي.”

يلعب الإعلام المطبوع واللغة الموحدة دورًا أساسيًا في تشكيل هذه المجتمعات.

4. إريك هوبسباوم – “اختراع التقاليد”

يرى أن العديد من الرموز والعادات التي تقدم كـ”تراث قومي قديم” ما هي إلا اختراعات حديثة تهدف لتدعيم الدولة القومية:

  • الأعلام
  • الأناشيد الوطنية
  • الاحتفالات
  • التقاليد العسكرية

كلها صيغت في القرنين 19 و20، لكنها تقدم باعتبارها “تراثًا أصيلًا”.

5. إرنست غلنر – “القومية والحداثة”

يربط غلنر نشوء القومية بالتحديث الصناعي، ويؤكد أن المجتمعات الزراعية لم تكن بحاجة لأمم. أما في المجتمعات الصناعية، فقد أصبحت الثقافة الموحدة ضرورية لخلق مواطنين متجانسين وظيفيًا.

محاور الكتاب المركزية

1. الأمة: كيان طبيعي أم بناء اجتماعي؟

بعض المفكرين (مثل فيخته ورينان) يرون أن الأمة كيان متجذر في الوعي التاريخي. في المقابل، يعتبر أندرسون وهوبسباوم وغلنر أن الأمة “اختراع حداثي” تشكل بفعل الطباعة، التعليم، والإدارة المركزية.

2. اللغة والدين: بين الحسم والتجاهل

  • يرى رينان أن اللغة والدين ليسا كافيين لتشكيل أمة.
  • ستالين يؤكد على وحدة اللغة كأحد الشروط الأربعة.
  • أما غلنر، فيرى أن اللغة الموحدة ضرورة في العصر الصناعي، لكن ليست موروثًا، بل نتيجة لسياسات الدولة الحديثة.

3. من الدولة إلى الأمة: انقلاب المفاهيم

في العديد من الحالات، تسبق الدولة تشكيل الأمة (كما في فرنسا)، بينما في حالات أخرى تحاول الأمة أن تُنْشِئ دولتها (كما في الحركة الصهيونية أو الكردية).

أمثلة مقارنة يقدمها الكتاب

  • فرنسا: لم تكن أمة موحدة لغويًا وثقافيًا في القرن 18، لكن الدولة المركزية فرضت الفرنسية والتعليم الموحد لتشكيل “الأمة الفرنسية”.
  • ألمانيا: تشكلت قوميتها قبل الدولة، عبر اللغة والثقافة والفلسفة.
  • الهند: أمة متعددة اللغات والأديان، وتطرح نموذجًا مغايرًا لمفهوم القومية.

العالم العربي والقومية

يناقش المحرر نادر كاظم الإشكاليات الخاصة بالنموذج العربي:

  • ازدواجية الانتماء: هل نحن أمة عربية واحدة أم أمم متعددة (لبنانية، سورية، عراقية…)؟
  • فشل المشاريع القومية في تحقيق الوحدة.
  • الدور السلبي للاستعمار والحدود الموروثة من سايكس بيكو.
  • صعود الهويات الطائفية والجهوية كبدائل لهوية الأمة الجامعة.

خلاصة: ما أهمية هذا الكتاب اليوم؟

في عالمنا المعاصر، حيث تُهدَّد الهويات الجامعة بهويات فرعية مذهبية أو جهوية، وحيث تتنازع المجتمعات بين العولمة والتعصب القومي، يقدم كتاب “ما الأمة؟” خريطة ذهنية ومعرفية لفهم:

  • كيف تشكلت الأمم؟
  • ما علاقتها بالسلطة والسيادة والحداثة؟
  • وهل يمكن للأمة أن تكون أفقًا تحرريًا بدلًا من أن تكون قيدًا؟

إنه كتابٌ يضع الأسئلة في مكانها الصحيح، ويمنح القارئ الأدوات الفكرية لبناء فهم نقدي لمسألة ظلت تؤرق البشر منذ قرنين على الأقل.

 

لمعرفة المزيد: “ما الأمة؟” – في سؤال الهوية والكيان السياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى