محمد بن واسع الأزدي..العابد الزاهد والمجاهد الورع

مقدمة
يعد محمد بن واسع الأزدي أحد أبرز أعلام التابعين، اشتهر بورعه وزهده وتقواه، وكان نموذجًا فريدًا في الإخلاص والعبادة. عاش في القرن الأول الهجري، وتربى على يد كبار الصحابة والتابعين، فجمع بين العلم والعمل، وكان مثالًا في التقوى والخشوع. اشتهر بدعائه، وورعه، وانشغاله بالآخرة، إلى جانب مشاركته في الفتوحات الإسلامية.
نسبه ونشأته
هو محمد بن واسع بن جابر الأزدي البصري، وُلد في مدينة البصرة، وهي من الحواضر الإسلامية الكبرى التي أنجبت العديد من العلماء والزهاد والمحدثين. نشأ في بيئة مليئة بالعلم والعبادة، وتأثر بجيل الصحابة الذين كانوا يعيشون في البصرة آنذاك.
تعلم محمد بن واسع على يد كبار علماء عصره، وكان ممن أخذوا العلم والحديث عن الصحابة الكبار، مثل عبد الله بن عباس وأنس بن مالك رضي الله عنهما. كما كان من أبرز تلاميذ الحسن البصري، الإمام الزاهد الذي أثر في حياته وسلوكه.
زهده وورعه
كان محمد بن واسع مثالًا في الزهد والورع، فلم يكن يهتم بزينة الدنيا، بل كان يرى أنها دار فناء لا تستحق التعلق بها. ومن أقواله المشهورة:
“لو كان للذنوب رائحة، ما استطاع أحد أن يجلس بجانبي.”
كان دائم العبادة، كثير التهجد، معروفًا بخشوعه وخوفه من الله. قيل عنه إنه كان يبكي كثيرًا في صلاته حتى يؤثر ذلك في صوته. وكان إذا سئل عن حاله، قال: “ما ظنكم برجل إذا أصبح ظن أنه لا يمسي، وإذا أمسى ظن أنه لا يصبح؟”، في إشارة إلى مدى خوفه من الله واستعداده الدائم للقاء الآخرة.
ومن مواقفه التي تدل على زهده أنه كان يبيع حوائجه ويكتفي بالقليل من الطعام واللباس، وكان لا يقبل العطايا من الأمراء والولاة، حتى لا يكون مدينًا لهم بشيء.
عبادته ودعاؤه
كان محمد بن واسع من أكثر الناس دعاءً وخشوعًا، وكان معروفًا باستجابة دعائه. رُوي أن جيش المسلمين كان في مواجهة العدو، فجاء قائد الجيش يسأله أن يدعو لهم بالنصر، فرفع يديه وقال:
“اللهم إن هؤلاء عبيدك، وهؤلاء عبيدك، اللهم فانصر دينك!”
وكان يقول في دعائه: “اللهم إنك قد أقدرتَ العباد على أنفسهم، فاجعلهم لا يريدون إلا ما تحب.” وكان كثيرًا ما يدعو الله أن يجعل الآخرة هي شغله الشاغل.
مشاركته في الفتوحات
لم يكن محمد بن واسع زاهدًا في الدنيا فحسب، بل كان أيضًا من المجاهدين في سبيل الله. شهد العديد من الفتوحات الإسلامية، وكان معروفًا بشجاعته وثباته في ساحات القتال.
يُروى أنه كان في إحدى المعارك، فرآه أحد القادة وهو يشير بإصبعه نحو السماء، فسأله عما يفعل، فقال: “إنها دعوةٌ كنت أدعو بها.” فقال القائد: “والله، إن إصبع محمد بن واسع أحب إليَّ من ألف سيفٍ شهيرٍ وألف شابٍ طرير.”
مكانته بين العلماء والصالحين
حظي محمد بن واسع بمكانة عظيمة بين العلماء والعبّاد، فقد كان الحسن البصري يقول عنه: “ما رأيت أحدًا أخشى لله من محمد بن واسع.”
وكان سفيان الثوري يقول: “إذا رأيتَ محمد بن واسع، ذكَّرك بالله رؤيته.” فقد كان وجهه يعكس الخشوع والتقوى، وكانت حياته كلها دعوة إلى الله بالقدوة الحسنة.
وكان أهل البصرة يعتبرونه نموذجًا في الزهد والعبادة، وكانوا يلجؤون إليه في الدعاء والاستشارة في الأمور الدينية.
وفاته
توفي محمد بن واسع في سنة 123 هـ، بعد حياة مليئة بالعبادة والجهاد والزهد. وكانت وفاته خسارة كبيرة لأهل البصرة وللمسلمين عمومًا، فقد كان من الرجال الذين يحيون القلوب بذكر الله والعمل الصالح.
خاتمة
كان محمد بن واسع الأزدي نموذجًا فريدًا في الزهد والعبادة، عاش حياته كلها في خوف من الله، ودعوة إلى الخير، ومجاهدة للنفس. ترك وراءه سيرة عظيمة تُلهم كل من أراد أن يسير على طريق الصالحين.
إن التأمل في حياة هذا التابعي الجليل يجعلنا ندرك قيمة التقوى والخشوع، ويحثنا على مراجعة أنفسنا والاقتراب أكثر من الله. فحياة محمد بن واسع ليست مجرد قصة من الماضي، بل هي رسالة حية لكل من يسعى إلى الصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة.