سير

من هو فيودور دوستويفسكى؟ نبذة عن حياته وأهم أعماله الأدبية

في إحدى ليالي خريف 1821 وتحديدًا يوم 11 نوفمبر، في منزل قريب من مستشفى ماريانسكي بمدينة موسكو، وُلد فيودور دوستويفسكي لعائلة نبيلة وشديدة التديُّن. نشأ دوستويفسكي في حي ماريانسكي وهو حيٌّ فقير في موسكو تضمّن دار للأيتام ومقبرة للمجرمين ومصحة للمجانين. ولعل هذه هي النافذة الأولى التي شهد من خلالها معاناة الرجل الروسي مع الفقر والمرض.

كان والده طبيبًا مشهورًا يعمل في مستشفى ماريانسكي للفقراء وكان رجلاً صعب المراس، ورث عنه دوستويفسكي مرض الصرع الذي لازمه طوال حياته، أما والدته فهي امرأة مثقفة تنتمي لعائلة مرموقة من كبار التجار. حرصت والدته على تعليمه الكتابة والقراءة من خلال نصوص الكتاب المقدس وكانت تحكي له القصص الخيالية والروايات التي جعلته مولعًا بالأدب وشكلت لديه خيال واسع حتى أصبح مطلعًا على مختلف أنواع الأدب في سن صغيرة.

تعليمه

على الرغم من نشأته الأدبية اضطر دوستويفسكي إلى الالتحاق بمدرسة شيرماك الداخلية، وفي تلك الفترة كان دوستويفسكي بمعزل عن أصدقائه الأرستقراطيين بسبب فارق الطبقات بينه وبينهم وعبّر عن ذلك بوضوح في روايته “المراهق”، ولذلك انشغل عنهم بالقراءة والأدب.

بعد ذلك التحق بمعهد الهندسة العسكرية في سان بطرسبرغ، ليس حبًا في الرياضيات والعلوم ولكن لتأمين حياته المهنية. وبالفعل بعد انتهائه من الدراسة بدأ العمل في وظيفة مهندس ملازم ولكن حبه للأدب ظل يطارده إلى أن اتخذ قرارًا بترك الهندسة وتكريس حياته للكتابة.

نشر دوستويفسكي أول أعماله الأدبية “الفقراء” التي نالت إعجاب الجميع وأشاد بها الناقد الكبير فيساريون بِلنسكي الذي رحب به واعتبره الموهبة العظيمة القادمة للأدب الروسي. ثم نشر بعدها عدة قصص وروايات مثل “الشبيه” و”الليالي البيضاء” ولكن لم يكن لها نصيب من النجاح رغم جودتها الفنية.

سبب إعدام دوستويفسكي

تعرض دوستويفسكي لضائقة مادية بعد فشل رواياته السابقة في تحقيق النجاح المنشود – خاصةً أنه كان معتادًا على المقامرة وخسارة أمواله فيها – لذلك في عام 1847 انضم إلى رابطة “بيتراشيفسكي” السرية التي ساعدته في تخطي هذه الأزمة، ويبدو أنه كان معارضًا لنظام الحكم الشيوعي وفكرة المساواة الاجتماعية لجميع الأفراد حيث إن هذه الرابطة كانت تجمع أدباء ومفكري ذلك العصر لمناقشة أحوال البلاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

أخذ رجال السلطة يراقبون تلك الرابطة ويتتبعون موقعهم حتى تمكنت الشرطة من القبض على جميع أعضاء الرابطة بتهمة انتقاد نظام الحكم، أمضى دوستويفسكي ثمانية أشهر في السجن حتى صدر الحكم بإعدامه رميًا بالرصاص. وعندما جاءت اللحظة الحاسمة لتنفيذ قرار الإعدام وصل رسول ليخبرهم برسالة مفادها أن القيصر أصدر مرسوم يقضي بتخفيف الحكم إلى السجن أربع سنوات مع الأعمال الشاقة في سيبيريا.

تأثير تجربة السجن

لم تكن تجربة السجن والإعدام هيّنة بل تركت أثرًا عميقًا في نفس دوستويفسكي ودفعته إلى تقدير قيمة الحياة والشعور بالحرية، وظهر ذلك في رواياته فيما بعد حيث صور عدد من شخصياته يستدعون تلك الحالة الذهنية لرجل يقترب من الإعدام، وكذلك تحدث عن أهمية الحرية بالنسبة للجنس البشري في قصة “رسائل من أعماق الأرض”.

شرع بعد ذلك في استكمال مسيرته الأدبية بالعمل في دار نشر مع أخيه ميخائيل وكتب في تلك الفترة العديد من الأعمال، من أشهرها “ذكريات من منزل الأموات” التي تعد البداية الحقيقية لتقليد الأدب الروسي لأدب السجون وصور فيها الأهوال التي شهدها في السجن. ومن هنا ولَّت مسحة الحلم والرومانسية في رواياته السابقة لتبدأ مرحلة جديدة هي الأهم في مسيرته الأدبية.

أسلوبه الأدبي

عندما تقرأ لدوستويفسكي تنتابك حالة من الحزن لأنه يفتش في الذكريات ويصف حالة شعورية قد تكون مررت بها من قبل فيتجدد عندك الألم والحزن على إثر الذكرى، أو أنك تعرف شخصًا مر بأحداث مشابهة وتحدثك نفسك كيف تعاملت معه بهذه القسوة وهل كان يشعر بكل هذا الألم حقًا.

لذلك لا عجب إذا قلنا أنه رائد الرواية النفسية فهو قادر على العزف على أوتار القلب ولديه البصيرة التي تجعله يشرح تعقيدات النفس البشرية ويحللها بدقة ويعلن عن صراعاتها الداخلية على الملأ ويعري الإنسان أمام نفسه وهذا ما جعله يتربع على عرش الأدب الروسي.

حياته الاجتماعية

خلال فترة نفيه في سيبيريا تزوج دوستويفسكي من زوجته الأولى ماريا وأنجبت له ابنته الكبرى سونيا ولكنه لم يكن زواجًا سعيدًا بسبب الفروقات الكثيرة في شخصياتهم، وبعد وفاتها تزوج من آنا غريغوريفنا التي كانت تصغره بـ 25 عامًا، ورغم صغر سنها والفارق الكبير بينهما كانت امرأة عاقلة ومخلصة له.

كانت آنا مسؤولة عن توفير بيئة عمل مريحة له بل وكانت تساعده في أداء بعض المهام العملية التي كان يكرهها، وأنجب منها دوستويفسكي أبنائه الثلاثة ليوبوف وفيودور وألكسي. وبعد وفاته عكفت آنا على كتابة مذكراته وسيرته الذاتية له تخليدًا لذكراه.

وفاته

عانى دوستويفسكي من الصرع طوال حياته واشتد عليه المرض في آخر أيام حياته، وفي فبراير عام 1881 رحل دوستويفسكي عن عمر 60 عامًا وهو في أوج مجده وقمة عطائه وترك وراءه إرثًا عظيمًا ما زلنا نلتمس أثره إلى اليوم، حزن الشعب الروسي لوفاته أشد الحزن فهو الذي تحدث عنهم وعن آلامهم وشيع جنازته آلاف من المحبين.

[المصدر: موقع نثري]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى