كتب

التعافي من العلاقات السامة: قراءة تحليلية في كتاب ستيفاني مولتون ساركيس

تُعدّ العلاقات السامة من أبرز التحديات النفسية والاجتماعية التي يواجهها الأفراد في حياتهم، وقد بات من الضروري تسليط الضوء على آثارها وطرق التعافي منها. في هذا السياق، يأتي كتاب “التعافي من العلاقات السامة: 10 خطوات أساسية للتعافي من التلاعب بالعقول والنرجسية وإيذاء المشاعر” كمرجع عملي وعلمي مهم للقراء الذين عايشوا علاقات مؤذية ويسعون لاستعادة أنفسهم ومشاعرهم.

الكتاب من تأليف ستيفاني مولتون ساركيس، وهي معالجة نفسية أمريكية متخصصة في اضطراب الشخصية النرجسية والتلاعب العقلي (Gaslighting) والاضطرابات السلوكية، مما يمنحه مصداقية أكاديمية وعملية.

 

خلفية عامة حول العلاقات السامة

تشير “العلاقات السامة” إلى العلاقات التي تؤدي إلى تآكل الصحة النفسية والعاطفية للفرد، وغالبًا ما تتسم بالسيطرة، التلاعب، النرجسية، الإذلال، والاعتماد المرضي. وغالبًا ما يكون الطرف المؤذي بارعًا في التلاعب بالآخر، مما يُشعر الضحية بالذنب والارتباك وفقدان الثقة بالنفس.

تشمل الشخصيات السامة أنماطًا مثل:

  • النرجسيون: الذين يسعون دومًا إلى السيطرة والتقدير دون اعتبار لمشاعر الآخرين.
  • المتلاعبون عاطفيًا: الذين يستخدمون الكذب، الإنكار، واللوم للسيطرة.
  • المسيئون نفسيًا: من يعمدون إلى التقليل من شأن الطرف الآخر وتحطيمه عاطفيًا.

الغاية من الكتاب

يهدف الكتاب إلى تقديم خطة واضحة وعملية للتعافي من آثار هذا النوع من العلاقات، وهو موجه خصيصًا للضحايا الذين مروا بعلاقات مع شركاء أو أقارب أو حتى أصدقاء ذوي شخصيات نرجسية أو سامة. يستند الطرح إلى خبرة الكاتبة في العلاج السلوكي المعرفي ويفتح الباب أمام القارئ لفهم ما حدث له وتحرير نفسه من الشعور بالذنب والخزي والخوف.

الخطوات العشر للتعافي – عرض وتحليل

1. الاعتراف بوجود علاقة سامة

الخطوة الأولى في طريق التعافي هي الاعتراف بأن العلاقة كانت سامة. فغالبًا ما يعيش الضحايا في حالة إنكار أو يبررون تصرفات الطرف الآخر. تؤكد ساركيس أن مواجهة الحقيقة أمر ضروري لتغيير نمط التفكير وبدء التعافي.

2. قطع الاتصال – “No Contact”

توصي الكاتبة بقطع الاتصال الكامل مع الشخص السام، وهو ما يُعرف بمبدأ “No Contact”. قد تكون هذه الخطوة صعبة، خاصة في العلاقات العاطفية أو العائلية، لكنها ضرورية لتقليل تأثير التلاعب النفسي وإتاحة المجال لاستعادة التوازن العاطفي.

3. فهم التلاعب العقلي (Gaslighting)

تقوم ساركيس بشرح مفصل لأسلوب “التلاعب العقلي” الذي يجعل الضحية تشكك في ذاكرتها أو تصوراتها. هذا الفهم يساعد الضحية على التحرر من الشعور بالجنون أو الشك الذاتي.

4. معالجة الشعور بالذنب والعار

يشيع بين الضحايا الإحساس بأنهم السبب في فشل العلاقة أو أنهم لم يكونوا “جيدين بما يكفي”. تركز ساركيس على ضرورة إدراك أن هذا الشعور هو نتيجة مباشرة للتلاعب، وليس لحقيقة واقعية.

5. العناية بالنفس Self-Care

التعافي ليس مجرد قرار ذهني، بل يتطلب عناية بالجسد والعقل. تنصح الكاتبة بممارسة أنشطة مثل الرياضة، التأمل، النوم الجيد، والتغذية الصحية، لتغذية الإحساس بالكرامة الذاتية والراحة النفسية.

6. بناء شبكة دعم

تعافي الضحايا لا يحدث في فراغ. تدعو الكاتبة إلى البحث عن أصدقاء داعمين أو مجموعات دعم أو معالجين نفسيين متخصصين. فالكلام عن التجربة والتفاعل مع من مروا بتجارب مماثلة يمنح الشعور بالانتماء ويقلل من العزلة.

7. التحكم في الأفكار السلبية

ساركيس تعتمد هنا على أدوات من العلاج السلوكي المعرفي لمساعدة القارئ على التعامل مع الأفكار السلبية المستمرة. يتم توجيه القارئ نحو استبدال هذه الأفكار بأفكار واقعية وإيجابية عن الذات.

8. معرفة حدود العلاقات الصحية

في هذه الخطوة، توضح المؤلفة ما الذي يجعل العلاقة صحية: مثل الاحترام المتبادل، التواصل الصريح، المساحة الشخصية، والدعم النفسي. هذا يساعد القارئ في تحديد العلاقات الجيدة مستقبلاً وتجنب الوقوع في نمط العلاقات السامة من جديد.

9. استعادة الثقة بالنفس

من خلال تقنيات نفسية وتمارين يومية، توضح ساركيس كيف يمكن للفرد أن يعيد بناء ثقته بنفسه، خاصة بعد أن تم تحطيمها تدريجيًا في العلاقة السابقة.

10. منح النفس الوقت للشفاء

أخيرًا، تؤكد الكاتبة على أهمية الصبر. فالتعافي من علاقة سامة ليس عملية سريعة، وقد تتخلله نكسات. المهم هو الاستمرار في اتخاذ الخطوات الإيجابية وتقدير كل تقدم.

مميزات الكتاب

  1. أسلوب مبسط وواضح: الكاتبة تتحدث بلغة مباشرة يمكن لغير المتخصصين فهمها بسهولة.
  2. التوازن بين النظرية والممارسة: كل فصل يحتوي على شروحات نفسية مدعومة بأمثلة وتمارين تطبيقية.
  3. تعاطف عميق مع القارئ: تشعر وأنت تقرأ أن المؤلفة تُصغي إليك وتفهم ألمك، دون إصدار أحكام.
  4. توجيه عملي وواقعي: لا تكتفي الكاتبة بتقديم نصائح مثالية بل توضح العقبات وكيفية تجاوزها.

ملاحظات نقدية

على الرغم من أن الكتاب غني بالمعلومات والدعم النفسي، إلا أنه قد لا يكون كافيًا في بعض الحالات التي تتطلب تدخلاً علاجيًا متخصصًا، خاصة إذا كان الشخص يعاني من اضطرابات نفسية ناتجة عن علاقة طويلة الأمد مع شخصية نرجسية شديدة الأذى.

كذلك، فإن التركيز الكبير على قطع الاتصال الكامل قد لا يكون ممكنًا دومًا، خصوصًا في حالات العلاقات الأسرية، مما يتطلب تعديلًا في النهج وفق ظروف كل حالة.

في الختام

يُعد كتاب “التعافي من العلاقات السامة” مرجعًا مهمًا لكل من مرّ بتجربة علاقة مؤذية، حيث يمنحه خطة واضحة وممنهجة للخروج من دوامة الألم والشعور بالذنب. إنه دعوة لتحرير الذات، استعادة الكرامة، وبناء علاقات صحية قائمة على الحب الحقيقي لا التلاعب والسيطرة.

وبين صفحات هذا الكتاب، يجد القارئ صوتًا متفهمًا، وأداة عملية للتغيير، ورفيقًا نفسيًا يعينه على طريق التعافي.

 

 

 

لمعرفة المزيد: التعافي من العلاقات السامة: قراءة تحليلية في كتاب ستيفاني مولتون ساركيس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى