الجماهر في معرفة الجواهر: موسوعة البيروني في علم الأحجار الكريمة وفلسفة المادة

1. تمهيد: البيروني ورحلته المعرفية
1.1 من هو البيروني؟
أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني (تُوفِّي حوالي 440 هـ / 1048 م) هو واحد من أبرز علماء الإسلام في العصور الوسطى، وقد اشتهر بكونه موسوعيًّا في مجالات كثيرة: الفلك، الجغرافيا، الرياضيات، التاريخ، الكيمياء، علوم الأرض، والمعادن والجواهر. ويكيبيديا تذكر أن كتابه «الجماهر في معرفة الجواهر» هو من مؤلفاته في العلوم المختلفة.
سيرته العلمية مليئة بالسفر والاحتكاك بالثقافات المختلفة، ففي خوارزم كان يعيش، وزار الهند وفارس وغيرها، مما أتاح له الاطّلاع على مصادر علمية متنوعة وترجمة نصوص، وكذلك مراجعة المعارف التي توارثتها الحضارات آنذاك.
1.2 موقع الكتاب في نتاج البيروني
يُعد كتاب «الجماهر في معرفة الجواهر» (أحيانًا يُختصر إلى «الجماهر في الجواهر») من مؤلّفات البيروني المتخصصة، التي تركّز على المعادن والجواهر وخواصها. يتميّز عن بعض كتب البيروني الأخرى التي كانت تجريبية أو جغرافية أو فلكية، بتركيزه في جانب من جوانب المعرفة العلمية التطبيقية: معرفة الأحجار الكريمة والمعادن الثمينة، وصفها، تفرّعاتها، وخواصها، وربما الفوائد التي يُعتقد أن لها أثرًا في الطب أو في الاستخدام الزخرفي.
الكتاب موجود في مكتبة الشاملة تحت عنوان «كتاب الجماهر في معرفة الجواهر». ومن خلال مواقع التحميل يُلاحظ أن نسخ الكتاب المعروفة تضم نحو 100 صفحة أو أكثر بحسب النسخة.
على سبيل المثال، النسخة في الشاملة تُعرض بصيغة bok (تنسيق رقمي للمكتبة الشاملة) وتُشير أن الكتاب من مؤلّف البيروني. كذلك نسخة PDF متوفّرة عبر موقع islamicbook وغيرها.
من الواضح أن النسخة التي ذكرتها (2023، من الناشر «الياقوتة الحمراء للبرمجيات») قد تكون إعادة طباعة أو تحقيق حديث لنسخة قديمة، لكن المحتوى الأساسي يُعتقد أنه مطابق تقريبًا للمحتوى التقليدي المعروف لهذا الكتاب.
2. المحتوى العام للكتاب: موضوعاته وأقسامه
قبل الدخول في أقسام الكتاب، من المفيد أن نُشير إلى أن «الجماهر في معرفة الجواهر» يُصنَّف ضمن المعارف التي تجمع بين الجغرافيا والطبيعة: فهو يدخل ضمن ما يُعرف في العصور الوسطى بعلم المعادن أو علم الجواهر (gemology / mineralogy). يُعنى بوصف الجواهر والمعادن، تمييزها، وأحيانًاْ الفوائد المنسوبة إليها.
2.1 الفهرس والعناوين الكبرى
الفهرس المتوفّر في مواقع مثل الشاملة يُعرّف بعض الفصول أو الأبواب التي يتناولها الكتاب. من هذه العناوين:
- تمهيد في مدح العلم وأهمية معرفة الجواهر
- فصل في تعريف الجواهر والمعادن
- فصل في أنواع الجواهر
- فصول متخصصة لكل نوع من الجواهر (العقيق، الياقوت، الزمرّد، الزبرجد، وغيرها)
- وصف الألوان والصفات الفيزيائية (كالشفافية، القوام، اللون)
- الفوائد أو ما يُنسب إلى بعض الجواهر في الطب أو في الوقاية أو في الزينة
- ربما أقسام في الأثر الفلكي أو الروحي لبعض الحجارة
نجد أن النسخة في “shamela” تعرض العنوان الكامل وبعض الفصول الأولى. كما في المكتبة الرقمية turkistani وكتاب الجماهر في معرفة الجواهر يُعرَض به الفهرس وعنوان الناشر وعدد الصفحات.
2.2 عرض بعض المحتوى النوعي: مثال العقيق
من الفصول المثيرة للاهتمام في الكتاب، تلك التي تتحدّث عن العقيق اليماني أو العقيق بأنواعه. في مواقع ثقافية حديثة تُشير إلى أن البيروني خصّص حديثًا عن العقيق في «الجماهر»، حيث يذكر أن العقيق اليماني من الأحجار التي كان لها استخدامات كثيرة، وأنه من الأحجار الموصوفة في تراث العرب، وأنه يُنسب إليه من الفوائد ما كان يُعتقد أنها تردّ عن الحامل همّه أو حماية من الشرور.
في الكتاب، يُفصّل البيروني أنواع العقيق، ألوانه، مميزاته، وربما عيوبه، ويقارن بينه وبين بعض الجواهر الأخرى. كما يناقش المسائل المتعلقة بالشفافية واللون والتطعيم إن وجد، وتأثير العوامل الطبيعية على جودة الجوهرة.
وهذا النهج ينطبق على بقية الجواهر: البيروني يدرسها من الناحية الشكلية (اللون والشفافية والهيئة) ومن الناحية القيمية (أي أي منها أفضل) ومن الناحية النسبية (أيها نادرة أو أغلى) وأحيانًا من الناحية الفلسفية أو الطبِّي إذا نُسبت لها خصائص طبية أو روحية.
2.3 المنهج في الكتاب
من الملاحظ أن البيروني غالبًا ما يعتمد المنهج الوصفي-التجميعي: أي يجمع ما ورد في كتب السلف في الجواهر، ويصحّح أو يوازن بينها، ويضيف ملاحظاته إن كان له تجربة أو اطلاعات خاصة. هذا أسلوب مشترك عند العلماء الموسوعيين في الإسلام: فهم يجمعون تراث الأقدمين ويضعون علامات التقدير أو التصويب.
كما أن البيروني يولي اهتمامًا بالاصطلاحات اللغوية: أي ما تسمّى الجوهرة في العربية، وما تُعرف الفصوص في اللغة، وتسمياتها، ومحاولة النقل الصحيح من النصوص السمعيّة أو الكتابية. وهذا يُظهِر أنه ليس مجرد وصف مادي، بل يتداخل مع الجانب اللغوي والمعجمي.
قد يتضمّن الكتاب أيضًا مؤشرات إلى المقارنة بين الجواهر: أي أيها أفضل في اللون، في المتانة، في البروز، في الطلب، وربط البعض بمصادرها الجغرافية أو المناخية.
وبحسب بعض النسخ، الكتاب ليس طويلاً جدًا (حوالي مئة صفحة تقريبًا) في النسخة الرقمية في الشاملة. لكن طوله قد يختلف حسب التحقيق أو الإضافة (هوامش، شروح، مقدمات).
3. الأهمية المعرفية والتاريخية
3.1 جسر بين التراث والمعرفة الطبيعية
إن أهم ما في «الجماهر في معرفة الجواهر» هو أنه يُعدّ جسرًا بين التراث العربي الإسلامي والعلم الطبيعي. في عصر لم يكن فيه التصنيف الحديث للمعادن والجواهر كما نعرفه اليوم، فقدّم البيروني وصفًا مبكرًا لخصائص هذه الأحجار، مما مهد الطريق أمام تطور علم المعادن والجواهر لاحقًا.
من حيث التاريخ العلمي، يُعدّ هذا العملُ مثالاً على كيف قام العلماء المسلمون بتجميع المعارف القديمة (اليونانية، الفارسية، الهندية) ومن ثم تعديلها أو نقدها في ضوء التجربة. بهذا، يُشكّل جزءًا من سلسلة المعرفة الإسلامية التي استلهمت من الحضارات السابقة وأكملت عليها.
3.2 في السياق التراثي والثقافي
كذلك، الكتاب ذو قيمة كبيرة للمهتمين بالتراث الثقافي، خصوصًا في البلدان التي لها تقليد في استخدام الجواهر في الزينة أو في المعتقدات الشعبية. فمعرفة ما ورد في التراث عن الفوائد والمعتقدات المرتبطة بالحجارة يُعطي نظرة إلى كيف كان الناس ينظرون إلى الجواهر: ليس فقط كزينة أو سلعة، بل كأشياء محمَّلة برموز ومعانٍ وروحية.
على سبيل المثال، ما يُنسب للعقيق كأنه يردّ الهمّ أو يقي من الشرور، أو ما يُعتقد أن بعض الجواهر تحمل خصائص طبية، كلها معتقدات تُشير إلى تقاطع المعرفة المادية بالروحانية في التراث.
كما يهمّ علماء اللغة والتاريخ أن يعرفوا كيف كان يُطلق على الجواهر في العربية القديمة، وما هي التسميات التي استُخدمت، وما إذا كانت بعض هذه التسميات مرتبطة باللغات المحلية أو بالمعاجم القديمة.
3.3 الأثر على الدراسات اللاحقة
لقد اعتمد عليه بعض الباحثين الحديثين عند دراسة التراث المعجمي للمعادن والجواهر، أو عند التحقيق في كتب التراث العلمي الإسلامي. كما يُستخدم أحيانًا مرجعًا في تفسير نصوص قديمة تتحدّث عن الجواهر في الشعر أو في المخطوطات الإسلامية.
أيضًا، من خلال قراءته، قد يُكتشف أن بعض التصنيفات أو الأوصاف النصية التي ظنّها البعض حديثة، هي في الواقع قديمة ولها جذور في كتب مثل هذا الكتاب.
4. مميزات الكتاب ومنهجية البيروني
لكتاب «الجماهر في معرفة الجواهر» عدة مميزات تميّزه عن غيره من كتب الجواهر في التراث:
4.1 التوازن بين النقل والتجريب
البيروني لم يكتفِ بنقل ما ورد في كتب السابقين، بل غالبًا ما يعرض نقلاً ثمّ تعليقًا أو ترجيحًا. إذا وجد اختلافًا بين المصادر، قد يطرح وجهة نظره أو يبيّن سبب تفضيل أحد الأقوال على الآخر. وهذا يُعطي متانة علمية للنص، وليس كأنّه تجميع بلا نقد.
4.2 الدقّة اللغوية
كون البيروني عالمًا لُغويًا أيضًا، فإنه في كتابه هذا يهتم بالدقة في المصطلحات: أي أي كلمة تُقال للجوهرة، وما هي الصيغة الصحيحة، وما هي المرادفات، وربما ما ورد في اللغة العربية من شعر أو نصوص. هكذا يُعطي النص قيمة إضافية كمرجع لغوي.
4.3 التنظيم الموضوعي
الكتاب يُقسَّم إلى فصول حسب الجواهر أو حسب الموضوعات (اللون، القوام، الفوائد…). هذا التنظيم يُسهّل للقارئ أن يعود إلى الجوهرة التي يهمّه، أو يبحث عن معلومة خاصة في أحد الفصول.
4.4 الملاءمة بين المعرفة النظرية والالفوائد (إن وُجدت)
إضافة إلى الوصف المادي، قد يتضمّن الكتاب إشارات إلى ما يُنسب إلى بعض الجواهر من فوائد (طبّية أو روحية) في التراث، وهو أمر شائع في كتب الجواهر القديمة. هذا يتيح للقارئ الربط بين الجانب المادي والمعنوي.
5. نقاط نقدية والتحديات
رغم أهميته، فإن الكتاب ليس بلا تحديات أو نقاط ضعف إذا قورن بالمعايير العلمية الحديثة. إليك بعض الملاحظات النقدية:
5.1 حدود المعرفة التجريبية في العصر
عندما كتب البيروني هذا العمل، لم تكن هناك أدوات التجربة والتحليل الكيميائي أو الميكروسكوب أو أجهزة الكشف الحديثة التي نملكها اليوم. لذا فإن توصيف بعض الجواهر قد يكون ناقصًا أو مختلطًا بين ما هو معدني نقي وما هو مزيج. قد يصف جواهر بأنها مزيج من معادن أو يحتوي على شوائب لم يكن بالإمكان تمييزها بدقّة.
5.2 المعتقدات الشعبية والفوائد المنسوبة
أحد المزالق المحتملة هو الخلط بين وصف الجواهر وما يُنسب إليها من فوائد أو قوى خارقة. في التراث، كثيرًا ما يُنسب للحجر خصائص علاجية أو روحية لا يمكن إثباتها بالتجربة. في بعض الأحيان، قد يقترب النص من الأسطورة أو الاعتقاد، وليس العلم التجريبي الصارم. القارئ المعاصر يحتاج أن يفصل بين ما هو وصف في التراث وبين ما يمكن إثباته علميًا.
5.3 اختلاف النسخ والتحقيق
لأن الكتاب قد طُبِع أو حقّق عدة مرات، قد يوجد اختلاف في العناوين أو في الأرقام أو في ترتيب الفصول بين نسخة وأخرى. قد تُضاف مقدمات أو تعليق أو هوامش غير البيروني الأصلي، ما قد يغيّر قليلاً من النسخة التي قرأها القارئ المعاصر.
5.4 التصنيفات الحديثة تختلف
التصنيف المعاصر للمعادن والجواهر (علم المعادن – Mineralogy) يعتمد على التركيب البلّوري، البنية الكيميائية، الخواص الفيزيائية المختبرية، والتي لم تكن متاحة في عصر البيروني بنفس الدقة. لذلك، بعض الجواهر التي يفصل بينها البيروني قد تُدمج اليوم ضمن صنف معدني واحد، أو تُصنف تبعًا للمعايير الحديثة (كتلة، التركيب البلوري، الشفافية، النفاذية، معامل الانكسار، إلخ). القارئ المعاصر قد يرى أن تصنيف البيروني لا يطابق ما هو معتمد اليوم، وهذا شأن طبيعي في مقارنة العلم القديم بالحديث.
6. مقارنة بين النسخة الأصلية وإعادة النشر لعام 2023
أنت أشرت إلى نسخة منشورة عام 2023 من الناشر «الياقوتة الحمراء للبرمجيات». هذه النسخة على الأرجح هي إعادة طباعة أو تحقيق حديث للنص القديم للبِيروني. عند مقارنة النسخة التي ظهرت في مواقع مثل المكتبة الشاملة أو مواقع التحميل، نجد:
- النسخة الرقمية في المكتبة الشاملة تعرض النص الأصلي بصيغة إلكترونية دون هوامش إضافية ظاهرة.
- النسخ PDF المتوفّرة تُشير إلى أنها حوالي 100 صفحة.
- بعض النسخ تُشير إلى أن عدد الصفحات 241 (في موقع نور) — وهذا قد يشمل مقدّمات أو شروحًا مضافة أو تنسيقًا مختلفًا.
- النسخة في موقع turkistani تذكر أن عدد الصفحات 268.
هذا يدل على أن إعادة النشر غالبًا ما تشمل إضافات مثل المقدّمة والتحقيق أو الهوامش، أو تصحيحات الطباعة، أو تنسيقًا جديدًا، مما قد يزيد عدد الصفحات مقارنة بالنص البسيط الرقمي الأصلي.
أيضًا في النسخة الحديثة قد يُضاف فهرس محيّن، أو تعليقات بيبليوغرافية، أو مراجع حديثة تُربط بين الكتاب والتراث البحثي المعاصر، مما يُثري النص.
إلا أن المحتوى الأساسي للأبواب والفصول يُفترض أن يكون مطابقًا إلى حدّ كبير للنص الأصلي للبِيروني (ما لم يطرأ حذف أو تعديل عمدًا من المحقق أو الناشر).
7. القراءة النقدية المعاصرة: كيف ننظر إلى «الجماهر» اليوم؟
لنتمكّن من التعامل مع هذا الكتاب اليوم، ينبغي أن نضع منظورًا نقديًا ومعرفيًّا:
7.1 كمرجع تراثي أولًا
يُفضَّل أن يُنظر إلى كتاب «الجماهر في معرفة الجواهر» باعتباره مرجعًا تراثيًا في علم الجواهر في التراث الإسلامي، وليس ككتاب علمي معاصر بمعايير الكيمياء أو المعادن الحديثة. بمعنى، هو يُوصلنا إلى كيف كان يُفهم الجواهر في القرن الحادي عشر، وليس ليكون بديلاً عن المعجم المعدني المعاصر.
7.2 درسه في السياق المعرفي الزمني
يجب أن يُقارن ما ورد في الكتاب مع ما نعرفه الآن من جوانب علم المعادن، لا من باب الإسقاط الأعمى، بل من باب حوار التاريخ المعرفي: أي نرى أين نجح، وأين أخطأ، وأين كان حدّ الإمكان في عصره.
7.3 استخدامه في الدراسات التراثية
بالنسبة للباحثين في التراث الإسلامي، فِهم هذا الكتاب مهمّ لفهم كيف تعامل المسلمون الأوائل مع الفلسفة الطبيعية، كيف دمجوا بين المعرفة النظرية والعملية، وكيف كانت نظرتهم للمواد الطبيعية، والتسمية اللغوية، وارتباطها بالمعتقدات والطب الشعبي.
7.4 الحاجة إلى تحقيق وتحليل حديث
كمثال على الاستخدام المعاصر، إذا طُبعت نسخة عام 2023 من الناشر المذكور، فسيكون من المفيد أن تضم تحقيقًا علميًّا (مقارنة النصوص، التعليق على المصطلحات القديمة، التنويه إلى الفروقات بين النسخ، الربط بالمعرفة الحديثة). هذا يُمكِّن القارئ المعاصر من التنقّل بين النص القديم والحديث بجسر فهم.
8. استنتاج
كتاب «الجماهر في معرفة الجواهر» لأبو الريحان البيروني هو وثيقة علمية تراثية قيّمة في التراث الإسلامي، تقدّم وصفًا دقيقًا ومُجمعًا لمعارف الجواهر في عصره، وتُظهر كيف أن العلماء في الإسلام لم يكتفوا بالتأمل النظري بل بالحسّ التجريبي والنقد.
إعادة نشره في 2023 أو أي طبعة حديثة تُتيح فرصة أكبر للقارئ المعاصر للاطّلاع على هذا التراث، خصوصًا إذا أُرفِقت بتعليقات وتحقيق علمي.
لمعرفة المزيد: الجماهر في معرفة الجواهر: موسوعة البيروني في علم الأحجار الكريمة وفلسفة المادة



