سير

برتا فون زوتنر: سيدة السلام التي هزّت ضمير العالم

1. البداية: من صمت القصور إلى صدى نوبل

في قلب براغ، حيث تتعانق أبراج القصور مع سحب التاريخ، وُلدت في 9 يونيو 1843 فتاة نبيلة لم تكن تعلم أن اسمها سيُكتب يومًا في سجل الخالدين.
برتا صوفي فيليتسيتاس كينسكي فون ويتشينيتز أوند تيتاو، التي ستُعرف لاحقًا باسم برتا فون زوتنر، لم تكن مجرد ابنة لأرستقراطية نمساوية، بل كانت شرارة ثورة فكرية وإنسانية.

في عام 1905، أصبحت برتا أول امرأة تفوز بجائزة نوبل للسلام، تقديرًا لجهودها في مناهضة الحروب والدعوة للسلام العالمي.
لكن رحلتها نحو هذا المجد لم تكن مفروشة بالورود، بل كانت مليئة بالتحديات والمواقف التي صقلت شخصيتها وجعلتها رمزًا للسلام.

2. النشأة والطفولة: بذور التمرد في تربة النبلاء

وُلدت برتا في قصر كينسكي في براغ، بعد وفاة والدها الجنرال فرانز كينسكي بفترة قصيرة.
نشأت في كنف والدتها صوفي، التي كانت تؤمن بالروحانيات وتعتبر نفسها ذات قدرات خارقة.
رغم النسب النبيل، عانت العائلة من ضائقة مالية، مما دفع والدتها إلى السفر إلى فيسبادن للمقامرة على أمل تحسين وضعهم المالي، لكنها عادت بخسائر فادحة.

في سن الثانية عشرة، بدأت برتا تتلقى تعليمًا خاصًا في اللغات والموسيقى، وأظهرت شغفًا بالأدب والفلسفة.
كانت تقرأ بشغف أعمال فولتير وروسو، مما زرع في نفسها بذور التمرد على التقاليد الأرستقراطية.

3. التعليم والمسار الأكاديمي: بين الأوتار والكلمات

لم تلتحق برتا بمؤسسات تعليمية رسمية، لكنها تلقت تعليمًا خاصًا مكثفًا في اللغات (الفرنسية، الإيطالية، والإنجليزية) والموسيقى.
أصبحت عازفة بيانو ومغنية موهوبة، مما أتاح لها فرصًا للتواصل مع نخبة المجتمع الأوروبي.

في عام 1873، عملت كمعلمة لأبناء عائلة زوتنر في فيينا، وهناك التقت بآرثر زوتنر، الذي أصبح لاحقًا زوجها وشريكها في النضال من أجل السلام.

4. الانطلاقة المهنية: من فيينا إلى باريس وجورجيا

بعد رفض عائلة زوتنر لزواج برتا وآرثر، قررت برتا السفر إلى باريس للعمل كسكرتيرة لألفريد نوبل.
رغم أن فترة عملها كانت قصيرة، إلا أنها أسست علاقة صداقة قوية مع نوبل، استمرت عبر المراسلات لسنوات، وكان لها تأثير كبير على قراره بإنشاء جائزة نوبل للسلام.

تزوجت برتا وآرثر سرًا في عام 1876، وانتقلا للعيش في جورجيا، حيث عملا كمعلمين وكتّاب.
واجهوا صعوبات مالية، خاصة خلال الحرب الروسية-التركية، لكن برتا استمرت في الكتابة للصحف النمساوية، مما ساعد في بناء سمعتها ككاتبة ومفكرة.

5. الإنجازات الثورية: “ضعوا السلاح!”

في عام 1889، نشرت برتا روايتها الشهيرة “ضعوا السلاح!” (Die Waffen nieder!)، التي أصبحت من أكثر الكتب تأثيرًا في الحركة السلمية.
تناولت الرواية معاناة النساء خلال الحروب، ودعت إلى نزع السلاح وحل النزاعات بطرق سلمية.

تفاصيل الرواية:

  • السنة: 1889
  • الفكرة الأساسية: نقد الحروب من منظور إنساني، خاصة تأثيرها على النساء والأطفال.
  • الأثر: تُرجمت إلى 16 لغة، واعتُبرت من أهم الأعمال الأدبية المناهضة للحرب حتى صدور “كل شيء هادئ على الجبهة الغربية” في 1929.

قال عنها أحد النقاد: “برتا فون زوتنر أعطت للسلام صوتًا لا يمكن تجاهله.”

6. لحظة نوبل: تتويج نضال

في 10 ديسمبر 1905، مُنحت برتا فون زوتنر جائزة نوبل للسلام، تقديرًا لجهودها في تعزيز السلام ونزع السلاح.
كانت أول امرأة تفوز بهذه الجائزة، وثاني امرأة تفوز بأي من جوائز نوبل بعد ماري كوري.

بيان لجنة نوبل:
“لجهودها المستمرة في تعزيز السلام بين الأمم، ودعوتها لنزع السلاح، وتأسيسها لجمعيات السلام.”

استقبل العالم هذا الخبر بترحيب واسع، واعتُبرت برتا رمزًا للسلام العالمي.

7. التحديات والإنسان وراء العبقرية

واجهت برتا العديد من التحديات، من رفض عائلتها لزواجها، إلى الصعوبات المالية في جورجيا، إلى مقاومة المجتمع الذكوري لأفكارها السلمية.
لكنها لم تستسلم، بل استخدمت قلمها وصوتها للدفاع عن قضاياها.

قالت في إحدى رسائلها: “السلام ليس حلمًا، بل واجب.”

8. الجوائز والإرث: أثر لا يُمحى

الجوائز:

  • جائزة نوبل للسلام (1905)

المؤلفات:

  • “ضعوا السلاح!” (1889)
  • “عصر الآلة” (1887)

الإرث:

  • تُعتبر من أبرز الشخصيات في الحركة السلمية.
  • أثرت في قرار ألفريد نوبل بإنشاء جائزة للسلام.
  • تُكرم في النمسا وأوروبا بتماثيل وعملات تذكارية.

9. الجانب الإنساني: روح خلف الإنجاز

كانت برتا تؤمن بأن السلام هو الطريق الوحيد لتحقيق السعادة البشرية.
شاركت في العديد من المؤتمرات الدولية، وأسست جمعيات للسلام، ودعت إلى إنشاء محكمة دولية لحل النزاعات.

قالت: “السعادة تُخلق في السلام، والحق الأبدي هو حق الإنسان في الحياة.”

10. ما بعد نوبل: الاستمرار حتى النفس الأخير

بعد فوزها بجائزة نوبل، استمرت برتا في نشاطها السلمي، وزارت الولايات المتحدة في جولة محاضرات، والتقت بالرئيس ثيودور روزفلت.
في عام 1912، قامت بجولة ثانية في أمريكا، رغم تقدمها في السن.

توفيت في 21 يونيو 1914، قبل عشرة أيام من اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند، الحدث الذي أشعل فتيل الحرب العالمية الأولى.

11. الخاتمة: أثر خالد

من قاعات القصور في براغ إلى منابر السلام العالمية، سارت برتا فون زوتنر في طريق مليء بالتحديات، لكنها لم تحِد عن هدفها: عالم خالٍ من الحروب.
تركت إرثًا لا يُنسى، وألهمت أجيالًا من النساء والرجال للنضال من أجل السلام.

قصتها تُذكرنا بأن الكلمة قد تكون أقوى من السيف، وأن الإيمان بالسلام يمكن أن يغير العالم.

 

الجدول الزمني لأهم المحطات

السنة الحدث
1843 ولادتها في براغ
1876 زواجها من آرثر زوتنر وانتقالها إلى جورجيا
1889 نشر رواية “ضعوا السلاح!”
1905 فوزها بجائزة نوبل للسلام
1914 وفاتها في فيينا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى