قصص

رواية The Devil Wears Prada: حكاية عن السلطة والأحلام في عالم الأزياء

في عام 2003، أطلقت الكاتبة الأمريكية لورين وايزبرغر روايتها الأولى “The Devil Wears Prada” لتتحول سريعًا إلى ظاهرة ثقافية وأدبية أثارت الجدل والإعجاب على حد سواء. كُتبت الرواية باللغة الإنجليزية وصُنّفت ضمن فئة الأدب النسوي والرواية الاجتماعية الساخرة، وقد استلهمت الكاتبة الكثير من أحداثها من تجربتها الشخصية كمساعدة لرئيسة تحرير مجلة “فوغ” الأسطورية آنا وينتور. نجحت الرواية تجاريًا بشكل لافت، حيث بيعت منها أكثر من 13 مليون نسخة حول العالم، وتُرجمت إلى أكثر من 40 لغة، واحتلت لأسابيع طويلة قوائم الكتب الأكثر مبيعًا في نيويورك تايمز.

ورغم أن العمل لم يفز بجوائز أدبية مرموقة، إلا أن تأثيره الثقافي والنسوي ظل طاغيًا، وأصبحت شخصياته مرآة للواقع الصاخب في صناعة الأزياء، وتعبيرًا ساخرًا عن تناقضات النجاح المهني وسُبل النجاة في بيئات العمل السامة.

في قلب نيويورك.. حيث تبدأ القصة

في صباح رمادي من شتاء نيويورك، كانت أندريا ساكس، الفتاة الطموحة القادمة من قرية صغيرة، تتأمل انعكاس وجهها في زجاج ناطحة سحاب ضخمة في “تايمز سكوير”. لم تكن تعلم أن الباب الذي ستعبره هذا الصباح سيكون أكثر من مجرد مكتب: سيكون اختبارًا لقيمها، لعلاقاتها، وحتى لهويتها.

“هل أنتِ مستعدة للعمل تحت الضغط؟” سألتها السكرتيرة ذات المكياج الصارخ وهي تشير بيدها نحو المصعد.

“أعتقد ذلك.” أجابت أندريا بابتسامة مترددة وهي تحاول إخفاء ارتباكها.

بعد لحظات، وجدت نفسها واقفة أمام امرأة ترتدي معطفًا من الفرو الأبيض، لا تلتفت، ولا تبتسم، ولا تطلب شيئًا بل تأمر به: ميراندا بريستلي، رئيسة تحرير مجلة “Runway”، والمرأة التي يقال إن “الشيطان نفسه يرتجف عند ذكر اسمها”.

أندريا × ميراندا: صراع الصقيع والنار

تبدأ أندريا عملها كمساعدة ثانية لميراندا، لكنها سرعان ما تكتشف أن مهام الوظيفة أبعد ما تكون عن التحرير أو الكتابة، بل هي أقرب إلى اختبار يومي للصبر والكرامة. فميراندا لا تطلب، بل تملي، بصوت هادئ لا يعرف التردد. تطلب قهوة من باريس في منتصف الليل، تتوقع استلام مسودة رواية غير منشورة من جي. ك. رولينغ خلال 24 ساعة، وتعتبر الخطأ – حتى في ترتيب الأزهار – خيانة لا تُغتفر.

في أحد الأيام، تلقت أندريا اتصالًا من ميراندا تقول فيه ببرود:

“السماء تمطر. ألغِ جلسة التصوير الخارجية، وانقليها إلى القصر الفرنسي في بروكلين. وأحضري لي كلبَيّ قبل الرابعة.”

صمتت أندريا، لا تعرف كيف تبدأ ولا إلى من تلجأ، ثم أجابت بخوف: “طبعًا، سأقوم بذلك فورًا.”

ومنذ تلك اللحظة بدأت تدرك أن وظيفتها ليست فقط في تلقي الأوامر، بل في البقاء على قيد الحياة في بحر متلاطم من الطلبات المستحيلة والتوقعات الخارقة.

الوجه الآخر للنجاح

كانت أندريا تحلم بأن تصبح صحفية مرموقة في “نيويوركر”، وأن تكتب مقالات تغير العالم. لكنها وجدت نفسها عالقة في دوامة من المهمات التي لا تنتهي، والرسائل المهينة، والعمل حتى ساعات الفجر.

بينما كانت أندريا تغرق في عالم الأزياء الزائف، كانت تخسر شيئًا ثمينًا في المقابل: خطيبها نات، صديقتها المقربة ليلي، وحتى إحساسها بذاتها.

“لقد تغيّرتِ، آندي.” قال نات في إحدى المواجهات.

أحاول فقط أن أنجو.

ردت بصوت مكسور.

لكن مع كل تضحياتها، كانت ميراندا دائمًا غير راضية. ذات مرة، نظرت إليها وقالت بلا رحمة:

النجاح لا يعني أن تُعجبي الآخرين. بل يعني أن تُخيفيهم.

وكانت هذه العبارة بمثابة مرآة لأندريا: هل تريد أن تصبح مثل ميراندا؟ أم أنها مجرد ضحية أخرى في منظومة لا ترحم؟

الذروة: باريس.. مدينة الضوء والظلال

جاءت لحظة الحسم في أسبوع الموضة بباريس، حيث رافقت أندريا ميراندا وسط صخب العروض والولائم الليلية. هناك، رأت الوجه الآخر تمامًا لميراندا: امرأة تخشى أن تُستبدل، أن تخسر السلطة، أن تذبل في عالم لا يعترف إلا بالجديد.

وفي تلك الليلة، عندما شعرت ميراندا بالخيانة من شركائها، لجأت لأندريا وطلبت مساعدتها للبقاء في منصبها. فعلت أندريا ذلك، لكنها لم تعد الشخص نفسه بعدها.

في صباح اليوم التالي، كانت تسير في شارع “الشانزليزيه”، تأمل انعكاس وجهها في زجاج متجر فاخر، ثم سحبت هاتفها وألقته في سلة المهملات.

لقد انتهى كل شيء.

العودة إلى الذات

عادت أندريا إلى نيويورك، ليست كمهزومة، بل كمن نجا من حريق. قررت أن تكتب عن تجربتها. لم تكتب فضائح، بل كتبت عن الإنسانية التي فقدتها تحت وطأة الكعب العالي والأوامر الباردة.

قدّمت طلبًا للعمل في مجلة أدبية صغيرة، وقابلها رئيس التحرير بعد أن قرأ سيرتها.

سمعت أنكِ عملتِ مع ميراندا بريستلي.

قال بدهشة.

“نعم.” أجابت بهدوء.

“إذن، يمكنني الوثوق بأنكِ تعرفين معنى الضغط.” ابتسم، ثم مدّ يده قائلاً: “مرحبًا بكِ معنا.”

شخصيات الرواية: بين التناقض والرمزية

  • أندريا ساكس: تمثل الحلم الأمريكي المثالي، لكنها تصطدم بواقع قاسٍ يحولها تدريجيًا إلى نقيض ذاتها.
  • ميراندا بريستلي: شخصية معقدة تجمع بين القسوة والضعف، ترمز إلى سلطة النساء في عالم لا يغفر لهنّ الأخطاء.
  • نات: حبيب أندريا، يمثل الحياة “الطبيعية” التي تبتعد عنها البطلة شيئًا فشيئًا.
  • إيميلي: زميلة أندريا في المكتب، مرآة للمرأة التي تستسلم تمامًا لسطوة ميراندا.

 التحليل الأدبي للرواية

تمتاز “الشيطان يرتدي برادا” بلغتها الساخرة وسردها الذكي، حيث تدمج وايزبرغر بين خفة الحوار وحدة الملاحظة الاجتماعية. الرواية ليست فقط عن الموضة، بل عن أزمة الهوية، والتحولات النفسية التي يمر بها الشباب في مواجهة الطموح المهني وضغوط الواقع.

تمثل ميراندا “السلطة الأنثوية” المطلقة، في حين تبقى أندريا صدى لصوت القارئ الباحث عن التوازن بين النجاح والصدق مع الذات.

الأعمال الفنية المقتبسة عن الرواية

تم تحويل الرواية إلى فيلم سينمائي ناجح عام 2006، من إخراج ديفيد فرانكل وكتابة ألين بروش ماكينا.

  • ميريل ستريب في دور ميراندا بريستلي
  • آن هاثاواي في دور أندريا ساكس
  • إيميلي بلنت في دور إيميلي، الزميلة اللاذعة

حقق الفيلم نجاحًا ضخمًا على شباك التذاكر، حيث بلغت إيراداته 326 مليون دولار عالميًا. حصد الفيلم ترشيحين لجائزة الأوسكار، من بينها ترشيح ميريل ستريب لأفضل ممثلة.

  • تقييم IMDb: 6.9/10
  • تقييم Rotten Tomatoes: 75% نقديًا، و79% من الجمهور

أثر الفيلم على الرواية والثقافة الشعبية

ساهم الفيلم بشكل كبير في إعادة إحياء الرواية، ورفع من مبيعاتها على مستوى العالم. أدخل تعبير “ميراندا بريستلي” القاموس الشعبي كمثال على المدير المتسلط، وأصبحت “الشيطان يرتدي برادا” شعارًا ثقافيًا يرمز لعالم الموضة القاسي وحياة المكاتب المتطلبة.

أشاد النقاد بأداء ميريل ستريب الأسطوري الذي أعاد تعريف شخصية “الخصم”، ليس باعتباره شريرًا مطلقًا، بل رمزًا للسلطة المعقدة. كما أظهرت آن هاثاواي بمهارة رحلة أندريا من السذاجة إلى النضج، لتصبح الشخصية نموذجًا للمرأة التي تقول “لا” في وجه العالم.

ورغم أن الفيلم اتخذ بعض الحريات مقارنة بالرواية، إلا أنه حافظ على روح القصة، وقدم معالجة سينمائية قوية أثّرت في جمهور أوسع بكثير، وجعل من “الشيطان يرتدي برادا” أكثر من مجرد كتاب أو فيلم: بل ظاهرة ثقافية باقية.

 

خاتمة

رواية “The Devil Wears Prada” ليست فقط قصة عن فتاة تعمل في مجلة أزياء، بل هي مرآة تعكس قلق الجيل الشاب، وحدود الطموح، وتحديات البقاء صادقًا في عالم مليء بالأقنعة. بذكاء الكاتبة وخبرة الشخصية، ومعالجة سينمائية قوية، تحوّلت الرواية إلى علامة فارقة في الأدب النسوي الحديث، ودرس خفي في معنى النجاح، والحرية، والثمن الذي ندفعه لأجل أحلامنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى