آمال عظيمة – Great Expectations: بين الطفولة والخذلان، وبين الحب والوهم

نبذة عن الرواية
رواية “آمال عظيمة” (Great Expectations) هي إحدى أعظم روايات الكاتب البريطاني تشارلز ديكنز، وقد نُشرت لأول مرة كسلسلة أسبوعية في مجلة All the Year Round بين عامي 1860 و1861، قبل أن تُجمع في مجلد واحد في عام 1861. كُتبت الرواية باللغة الإنجليزية، وتصنَّف ضمن أدب الرواية الفيكتورية، وهي رواية نشأة (Bildungsroman) تتناول تطور الشخصية الرئيسية منذ الطفولة وحتى النضج.
رغم أن الرواية لم تفز بجوائز بالمعنى الحديث، إلا أنها تُعد من أكثر الأعمال الأدبية تأثيرًا في التاريخ الأدبي الإنجليزي، وقد تُرجمت إلى أكثر من 35 لغة، وبيعت منها ملايين النسخ حول العالم، وظلت ضمن مقررات الأدب في المدارس والجامعات لعقود طويلة.
حكاية بيب: من المستنقع إلى المدينة، ومن البراءة إلى الانكسار
في إحدى قرى الريف الإنجليزي الباردة، حيث الضباب يغلف الحقول وتتناثر المقابر القديمة على أطراف المروج، كان طفل صغير يُدعى فيليب بيريب، ويُعرف اختصارًا بـ”بيب”، يقف مرتجفًا أمام قبر والديه، حين صادفه القدر بأول مشهد سيغير حياته إلى الأبد.
من بين القبور، خرج له رجل غريب، متسخ الثياب، مقيد الساقين بسلاسل الحديد. كان هاربًا من العدالة. طلب من بيب أن يُحضر له طعامًا ومبردًا لتقطيع قيوده. خائفًا وممتثلًا، عاد الطفل إلى بيت أخته القاسية وزوجها الطيب جو جارجري، ونجح في تلبية طلب السجين دون أن يعلم أنه قد زرع بذرة قد تغيّر مجرى حياته لاحقًا.
كانت حياة بيب بسيطة، محصورة بين عنف أخته ومودة جو، الحداد الطيب الذي عامله كابن. لكن الأمور بدأت تتخذ منحى مختلفًا حين دُعي بيب إلى قصر “ساتيس هاوس” ليؤنس سيدة غريبة الأطوار تُدعى السيدة هافيـشام، وهي امرأة ثرية تعيش في عزلة داخل قصرٍ متآكل، مرتديةً فستان زفاف قديم، وقد توقفت ساعتها منذ أن تُركت على المذبح قبل عقود.
هناك، التقى إستيلا، الفتاة الجميلة الباردة، التي نشأت على يد السيدة هافيـشام لتكون أداة انتقام من الرجال. رغم برودها القاسي، سحرته عيناها، وعاش منذ تلك اللحظة على أمل أن يكون يومًا جديرًا بها.
التحول: حين تطرق “الآمال العظيمة” بابك فجأة
تمر السنوات، ويبدو أن بيب قدر له أن يبقى حدادًا في قريته، متقبّلًا مصيره حتى يأتيه زائر غامض من لندن. يخبره بأن لديه “مُحسنًا مجهولًا” قد أوصى بتعليمه وتربيته في لندن كـ”شاب نبيل”. وهكذا تبدأ رحلته نحو المدينة، محمّلة بأحلام الترف والحب والمكانة الرفيعة.
في لندن، يتلقى بيب التعليم، ويعيش حياة الرفاهية، ويتعرف على أصدقاء مثل هيربرت بوكيت، ويغرق في وهم أنه قد أصبح بالفعل نبيلاً، مستحقًا لحب إستيلا. ولكنه لا يعرف أن كل هذا البناء الشاهق من “الآمال العظيمة” يقوم على أساس هش.
الحقيقة التي تهز العالم
ذات ليلة، يدخل على بيب رجل غريب، متعب، متخفٍ. لم يكن سوى ذلك السجين الهارب من الماضي – أبيل ماجويتش. لقد عاد من المنفى في أستراليا ليكشف الحقيقة الصادمة: هو من موّل بيب، وهو “المحسن” المجهول.
صُدم بيب. كيف لرجل من قاع المجتمع، مجرم في نظر القانون، أن يكون السبب في مجده؟ لقد قضى عمره يعتقد أن السيدة هافيـشام هي من رعته ليصبح جديرًا بإستيلا، ولكن الحقيقة جاءت لتهدم هذا الحلم تمامًا.
تبدأ مشاعر بيب في التغير؛ يشعر بالعار، ثم بالشفقة، ثم بالوفاء لهذا الرجل الذي ضحى بحياته من أجله. ويقرر أن يساعده على الهرب من إنجلترا، لكن الأمر لم يكن سهلاً.
الذروة: مطاردة، فخ، ووداع
يحاول بيب وهيربرت تهريب ماجويتش عبر النهر، لكن الشرطة كانت تنتظرهم. يُقبض على ماجويتش، ويُحكم عليه بالإعدام. يموت في السجن، وبيـب بجواره، يخبره أن ابنته التي تركها طفلة ليست سوى إستيلا نفسها.
في تلك الأثناء، تنهار ثروة بيب، ويكتشف أن المال لم يكن يومًا معيارًا للسعادة، ويصاب بالحمى ويُترك وحيدًا، حتى يأتي جو، الحداد الطيب، ويعتني به مثلما فعل في طفولته.
النهاية: لقاء من نوع آخر
يعود بيب إلى قريته، متواضعًا نادمًا، ويبدأ حياة بسيطة. تمر السنوات، وتتشابك أقدار الجميع، حتى يلتقي مرة أخرى بإستيلا، وقد تغيرت هي الأخرى بعد زواج فاشل.
الختام جاء بلون رمادي. لا تأكيد على الحب، ولا على الارتباط، لكن هناك اعتراف متبادل بأن كليهما قد تغير، وأن آمال الطفولة ربما لم تكن واقعية، لكنها شكلت طريقهما إلى النضج.
الأعمال الفنية المقتبسة عن الرواية
تم اقتباس “آمال عظيمة” إلى العديد من الأعمال الفنية، أبرزها:
- فيلم 1946
- المخرج: ديفيد لين
- بطولة: جون ميلز (بيب)، فاليريا هوبسون (إستيلا)، أليك غينيس (هيربرت)
- التقييم: 7.8/10 على IMDb
- يُعد هذا الفيلم من أكثر الاقتباسات إخلاصًا للنص الأصلي وأفضلها إنتاجًا في حقبته.
- فيلم 1998
- المخرج: ألفونسو كوارون
- بطولة: إيثان هوك (كفين – النسخة الأمريكية لبيب)، غوينيث بالترو (إستيلا)، روبرت دي نيرو (السجين)
- التقييم: 6.9/10 على IMDb
- نسخة عصرية جريئة تنقل الرواية إلى نيويورك في أجواء معاصرة.
- مسلسل BBC عام 2011
- بطولة: دوغلاس بوث (بيب)، جيليان أندرسون (السيدة هافيـشام)
- التقييم: 7.4/10 على IMDb
- سلسلة مكونة من 3 حلقات أُشيد بها على نطاق واسع لتمثيلها العاطفي وتصويرها البصري المذهل.
تحليل وتفاعل الجمهور مع الأعمال الفنية
حظيت اقتباسات “آمال عظيمة” بترحيب متفاوت، إلا أن أبرزها فيلم ديفيد لين 1946 يُعد تحفة سينمائية كلاسيكية، نال إعجاب النقاد والجمهور على حد سواء. فيما نالت النسخة الحديثة (1998) إعجاب جمهور جديد بفضل أسلوبها المعاصر رغم بعض الانتقادات من محبي الرواية الأصلية بسبب التعديلات الجذرية في الإعداد.
أما إنتاج BBC عام 2011 فقد مزج بين الأصالة والتجديد، وكان أقرب إلى روح الرواية، مما جعله يحظى بثناء كبير، خصوصًا لأداء جيليان أندرسون المعقد للسيدة هافيـشام.
بشكل عام، ساعدت هذه الاقتباسات على تجديد الاهتمام بالرواية، ودفعت أجيالًا جديدة لاكتشاف ديكنز من زوايا مختلفة، إذ جسّدت عمق الرواية النفسي والاجتماعي، وفتحت بابًا لتأويلات جديدة حول معنى “الآمال العظيمة”، وهل كانت نعمة أم لعنة.