التقييم الذاتي
في صباح أحد أيام الشتاء الجميلة وصل صبي صغير إلى متجر بقالة به كشك هاتف. وهناك تلفّت يمنة ويسرة باحثًا عن شيء ما يستطيع الوقوف عليه إلى أن رأى علبة صودا. فاقترب منها وسحبها إلى حيث كابينة الهاتف، وصعد فوقها حتى يتمكّن من الوصول إلى أزرار الهاتف ليُجري اتصالاً بدا أنّه على درجة عالية من الأهمية.
جذبت تصرّفات الصبي الصغير اهتمام البائعة في المتجر، فراحت تراقب هذا الأخير بفضول وهي تنصت إلى مكالمته، وما هي إلاّ لحظات حتّى فتح الخطّ، وبادر الصبي بالقول بعد التحية: “سيّدتي، إني صبي فقير وبحاجة إلى المال، فهل يمكنك منحي عملاً لجزّ العشب في حديقتك؟”
“آسفة ياصغيري، لكن لديّ بالفعل شخصٌ يقوم بهذه المهمّة.”جاء صوت السيدة في الجهة الأخرى من الخطّ.
“سيّدتي، أرجوك…سأجزّ العشب بنصف السعر الذي يأخذه منك ذلك الشخص الآن.”
“أنا راضية للغاية بعمل الشخص الذي وظّفته، فهو يقوم بعمل جيّد وبسعر مناسب.”
وأردف الطفل من جديد بإصرار أكبر هذه المرّة: “سأقوم بكنس مدخل المنزل أيضًا، وتقليم الأشجار لأمنحك أجمل حديقة في الحيّ.”
ومن جديد رفضت السيدة طلبه شاكرة إيّاه على عرضه السخّي.
أغلق الصبي الخطّ أخيرًا، وعلى محيّاه ارتسمت ابتسامة غريبة. وكانت مالكة المحل قد سمعت الحوار بأكمله، فاقتربت من الصبي الصغير مشفقة عليه، وقالت: “صغيري، لقد أعجبني إصرارك ومثابرتك، وأودّ أن أقدم لك عملاً في محلّي، فما رأيك؟”
“شكرًا لك يا سيّدتي على هذا العرض، لكني لستُ بحاجة إليه!”
ارتسمت علامات الاستغراب والدهشة على البائعة الطيبة، وردّت قائلة: “ولكنك كنت ترجو المرأة على الجانب الآخر من الهاتف أن تمنحك عملاً في حديقتها!” فجاء جواب الصغير: “كلاّ يا سيّدتي، لقد كنتُ أتفقد أدائي في عملي الحالي وحسب! فأنا هو الشخص الذي يعمل عندها وقد أردتُ أن أعرف رأيها الحقيقي في عملي!”.
[المصدر: موقع أفكار دافئة]