كتب

مما قرأت: المثقفون المغالطون: الانتصار الإعلامي لخبراء الكذب

في كتاب “نظام التفاهة”، أو الأجدر دعوته “نظام الدناءة”، للحجة التي قدمها د. أحمد خولي في انتقاد الترجمة، نوقش “النظام” بما هو عليه ومكوناته وطرقه وأساليبه وأبعاده وخدمه، وفي هذا الكتاب، المثقفون المغالطون، فإن الكاتب يتناول هؤلاء “الدنيئين”، يتحدث عنهم في الفصول القليلة الأولى، ثم يتابع بذكر بعضهم وتوضيح طرقهم التي تلوي الحقائق وتروِّج للأكاذيب، مستندين في ذلك إلى مهارات حوارية يجهلها الكثيرون، فتبدو أحاديثهم منطقية وعقلانية ومضبوطة، غير أنها مبنية على ضحالة أخلاقية وفكرية عميقة، يمكن للفطن الانتباه إليها، ولهذه الكتب الحديث عنها بالتفصيل.

وفي شرحه لأساليبهم المعتمدة اليوم، تناول بونيفاس “المرتزقة” الذين يمكن أن يدعموا التيار الأقوى مُسخرين كافة الحجج الأخلاقية والمنطقية، والتي إن توافقت مع التيار استندوا إليها وعلت أصواتهم، وإن تناقضت معه أهملوها واستندوا إلى غيرها، لهذا نجدهم أحياناً يدافعون عن قضية ما من منطلق الحريات، ولكنهم يقفون ضد أخرى دون أي التزامٍ أخلاقي أو منطقي، كأن يتعاطف بعض المثقفين مع ضحايا الشعب البوسني والأكراني ويغضون الطرف عن ضحايا الشعب الفلسطيني، وقد انتقد الكاتب بشدة المواقف المزدوجة التي يتخذها المثقفون في بلاده، والتي تجعلهم في نفاقٍ ظاهر، يصدحون تارة بالحريات وحقوق المرأة والطفل، ولكنهم يتجاهلونها تماماً عندما يكون الجاني التيار الأقوى الذي يدعمونه، وهذا بالضبط ما أشار إليه كتاب “نظام الدناءة”، حسب تعبير د. خولي، والذي فسَّر طبيعة هذا النظام وداعميه.

ولهذا، نجد الكاتب قد تناول مختلف التهم التي يتقاذفها عالم اليوم، كمعاداة السامية التي تلقى ضد كلِّ من يتجرأ على انتقاد إسرائيل وممارساتها في الحروب، وتحدث عن ضرورة الإبقاء على العدو المشترك (الإسلام \ العرب) لتبرير بقية الممارسات التي تحتاج الدول الإقدام عليها، كما احتلت أمريكا العراق “لنشر الديموقراطية” ومحاربة النظام “الديكتاتوري” والقضاء على أسلحة الدمار الشامل، فعندما يظل في الواجهة عدو مشترك، يصبح التبرير لأقبح الأعمال ممكناً وسهلاً، وقد أشار الكاتب إلى طبيعة هذا العدو المشترك المتغيرة، والذي كان يوماً اليهود ثم الشيوعيين، قبل أن يصبح في زماننا “الإسلامويين”.

ليس الكتاب سياسياً كما يبدو عليه، بل فكرياً هاماً، طرح قضيته بأقصر الطرق وأكثرها مباشرة، لهذا أجده مهماً لكل قارئ، حتى لو كان سيقرأ منه فقط الفصول الأولى دون قراءة الفصول المتعلقة بالشخصيات التي قد لا يعرفها، فالفصول الأولى ستفتح آفاقه الذهنية وستعينه على امتلاك ملكة النقد كي لا يُخدع ثانية “بمُثقفي” بلاده.

ذكر الكاتب معاناته لنشر كتابه، ورفض العديد من الدور نشر كتابٍ ضد “المثقفين” في فرنسا، مشيراً إلى سهولة نشر كتب تنتقد الرئيس ساركوزي نفسه، وصعوبة نشر كتابٍ يتناول الكذب والتضليل الذي تعتمده الطبقة المثقفة في بلاده، وغيرها، أما وقد تبنَّته دار ابن النديم والروافد، فإني أرى أن الكتاب يستحق ترجمة أفضل بكثير، فعباراته مفككة والترجمة ركيكة رغم مباشرة اللغة وعدم صعوبتها، كما ترجمت بعض العبارات بطريقة أخلَّت بالمعنى، ولا أعرف ذلك لأنني مطلعة على النسخة الفرنسية الأصل من الكتاب، فأنا لا أعرف الفرنسية، أنا مترجمة عن الإنجليزية، ولكن يمكن لأي مترجم كتبٍ أو قارئ فطن أن ينتبه إلى هذه الأخطاء في الترجمة، ويدرك مقصد العبارة الذي صيغ بطريقة ضعيفة أخلَّت بالمعنى، أتمنى أن يشتغل المُترجم على الكتاب من جديد في الطبعات المقبلة، وألا يظل الكتاب بترجمته الضعيفة هذه.

[المصدر: موقع الشانيه]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى