رواية "The Fault in Our Stars" – قصة حب تتحدى الألم والموت

في عام 2012، خطف الكاتب الأمريكي جون غرين (John Green) قلوب القرّاء حول العالم بإصداره رواية “The Fault in Our Stars”، التي سرعان ما أصبحت واحدة من أشهر روايات أدب الشباب المعاصر. كُتبت الرواية باللغة الإنجليزية، وصُنّفت ضمن أدب الدراما والرومانسية والتراجيديا، ولاقت إشادة نقدية وجماهيرية هائلة. بيع منها أكثر من عشرة ملايين نسخة حول العالم، وتُرجمت إلى أكثر من 50 لغة، منها العربية. حصلت الرواية على عدة جوائز من بينها جائزة “Choice Book” وجائزة “Goodreads Choice Award”، وكانت ضمن قائمة أفضل الكتب مبيعًا في نيويورك تايمز لعدة أشهر متتالية.
لكن ما سرّ هذا النجاح؟ ولماذا أثّرت القصة في ملايين القرّاء إلى هذا الحد؟ لنغص معًا في سردٍ روائي يجمع بين الألم والفرح، الحب والموت، الحقيقة والوهم.
بداية الحكاية: فتاة تعيش على حافة الموت
في مدينة إنديانابوليس الأمريكية، تعيش هيزل غريس لانكستر، فتاة تبلغ من العمر ستة عشر عامًا، تصارع منذ سنوات مرض السرطان الذي أصاب رئتيها وتركها تعتمد على أنبوب أكسجين يرافقها كظلها. رغم العلاج المتواصل، تعلم هيزل أن أيامها معدودة، وأنها ليست من النوع الذي يعيش ليشهد أحفاده. لكنّها تقرأ، تفكر، وتتأمل الحياة بعمق يتجاوز سنّها بكثير.
ذات يوم، وبإلحاح من والدتها التي تريد لها حياة اجتماعية طبيعية ولو عن طريق مجموعات الدعم النفسي، تذهب هيزل إلى لقاء أسبوعي لمجموعة شباب مصابين بالسرطان. وهناك، تنقلب حياتها تمامًا.
في الزاوية، يجلس شاب طويل القامة، ذو عينين زرقاوين تلمعان بالمرح والمشاكسة. اسمه أوغسطس واترز. عمره سبعة عشر عامًا. ناجٍ من سرطان العظام، فقد ساقه اليمنى في معركة غير متكافئة مع المرض، لكنه خرج منها بابتسامة ساخرة ونظرة ساخرة أكثر تجاه العالم.
حين تلتقي نظراتهما، لا يكون اللقاء عاديًا. يبادلها أوغسطس الحديث بطريقة مدهشة: “ما اسمك الكامل؟”، تسأله بدهشة، فيجيبها بجرأة: “أوغسطس واترز. وأنا أحب اسمك، هيزل غريس.”
وهكذا، تبدأ الحكاية.
تقارب الأرواح: كتاب واحد يشعل نار الحُب
رغم اختلاف شخصياتهما، يجمع بين هيزل وأوغسطس حب الكتب واللغة والأفكار. تهدي هيزل لصديقها روايتها المفضّلة: “عذاب إمبراطوري” (An Imperial Affliction)، وهي قصة خيالية عن فتاة مصابة بالسرطان تنتهي الرواية دون خاتمة، فيقف القارئ في حيرة: ماذا حدث؟ من عاش؟ من مات؟ وماذا عن أمّ البطلة؟
يشترك كلاهما في الهوس بهذه الرواية الغامضة، ويقرران مراسلة الكاتب الهولندي بيتر فان هوتن، الذي يعيش في أمستردام. وبالمعجزة، يرد الكاتب على رسالتهما، ويدعوهما لزيارته… لكن بشرط: أن يأتيا إليه شخصيًا.
وهنا، يُفاجئ أوغسطس هيزل بخبر لا يُصدق: لقد استخدم “أمنية المريض” التي تمنحها إحدى المنظمات الخيرية، ليأخذها إلى أمستردام!
تتأثر هيزل بهذا الفعل النبيل، لكنها تتردد بسبب وضعها الصحي. ومع موافقة طبيبها وأمّها، تبدأ مغامرتهما نحو أوروبا. هناك، في شوارع أمستردام القديمة وتحت السماء الرمادية، يعيش الحبيبان لحظات من الصفاء والسعادة التي كانا يعتقدان أنها مستحيلة.
وفي مشهد شاعري داخل مطعم فخم، يعترف أوغسطس بحبه: “أنا لا أمانع أن أعيش حبًّا ينتهي بسرعة، طالما أنه حقيقي.” وتجيبه هيزل بعينين دامعتين: “أنت منحتني أبديّة في أيام معدودة، وهذا أكثر مما يحظى به معظم الناس.”
الصدمة: عندما ينقلب المصير
لكن اللحظات الجميلة لا تدوم طويلًا. وخلف ظلال الطقس الجميل، يظهر وجه الحقيقة القاسي.
يخبر أوغسطس هيزل هناك، في أمستردام، بخبر مدوٍّ: لقد عاد السرطان إلى جسده، وانتشر بسرعة لا يمكن إيقافها. “أنا أحتضر، هيزل. لكن لا أريد أن أكون مشروع ألم آخر في حياتك.”
تنكسر هيزل. كانت تظن أنها ستغادره، لا العكس. ويتحوّل الصراع في الرواية من انتظار الموت إلى تقبّل فقدان الحب قبل الأوان.
يعودان إلى أمريكا، ويبدأ العد التنازلي. مرض أوغسطس يتفاقم. يصبح أقل قدرة على الحركة، ثم يحتاج إلى المساعدة في كل شيء تقريبًا. لكنه يصرّ على أن يكتب “رسالة تأبين” لهيزل قبل موته، ليُظهر لها أنها كانت مصدر قوّة لا تُضاهى في حياته القصيرة.
ثم، في صبيحة حزينة، يتلقّى العالم الداخلي لهيزل طعنة لا تُحتمل: أوغسطس فارق الحياة. لم تعد رسائله تصل، ولا عينيه تضحكان، ولا مزحاته الحادة تملأ الفراغ.
النهاية: ما بعد الغياب
تحضر هيزل جنازة أوغسطس، وتجلس صامتة بين أهله وأصدقائه، وقد تغيّر كل شيء. لكنه ترك لها مفاجأة أخيرة. عبر أحد الأصدقاء، تتلقى رسالة كان قد كتبها قبل موته، وأرسلها إلى الكاتب الهولندي بيتر فان هوتن، الذي حضر الجنازة بطريقة مفاجئة.
في الرسالة، يكتب أوغسطس:
هي لا تعرف كم أنقذتني. كم أعادت لي الحياة. لو كان بيدي، لكتبت لها نهاية أقل حزنًا. لكنها بطلتها، وذاك هو قدَر الأبطال: أن يتركوا فينا أثرًا خالدًا.
تبتسم هيزل. لأول مرة، بابتسامة امتنان. وتهمس:
أنا موافقة، أوغسطس. على كل شيء.
الأعمال الفنية المقتبسة عن الرواية
في عام 2014، تحوّلت رواية The Fault in Our Stars إلى فيلم سينمائي يحمل الاسم نفسه، أخرجه جوش بون (Josh Boone)، وقامت ببطولته شايلين وودلي (Shailene Woodley) في دور هيزل، وأنسل إلغورت (Ansel Elgort) في دور أوغسطس.
لاقى الفيلم نجاحًا جماهيريًا ضخمًا، وحقق أكثر من 307 مليون دولار عالميًا، مقابل ميزانية إنتاج لم تتجاوز 12 مليون دولار.
حصل الفيلم على تقييم 7.7/10 على IMDb، و81% على Rotten Tomatoes، وهو رقم يعكس تفاعل النقاد والجمهور مع القصة.
تحليل موجز لأصداء الفيلم
استُقبل الفيلم بحفاوة شديدة، خاصة من قبل جمهور الرواية الذين وجدوا في العمل السينمائي تجسيدًا وفيًّا للروح الأصلية للقصة. احتفظ الفيلم بجوهر الرواية: العلاقة العاطفية العميقة بين شخصيتين شابتين تواجهان الفناء، وتبحثان عن معنى في الحياة رغم عبثية الألم.
أشاد النقاد بأداء شايلين وودلي، واعتبروا أن الفيلم لم يقع في فخّ الميلودراما الرخيصة، بل عالج التراجيديا بصدق وجمال مؤثر. كما ساهم الفيلم في زيادة مبيعات الرواية بشكل غير مسبوق، وأعادها إلى قوائم النيويورك تايمز بعد عامين من صدورها.
تأثير الرواية في الثقافة الشعبية
لم تكن The Fault in Our Stars مجرد رواية أو فيلم، بل أصبحت ظاهرة ثقافية. تحوّلت بعض عبارات الرواية إلى رموز في ثقافة الشباب، مثل:
Some infinities are bigger than other infinities.
(بعض الأبديّات أكبر من غيرها.)
وأصبح اقتباس: “Okay? Okay.” شعارًا للعشّاق الذين وجدوا في الرواية لغة بديلة للحب والوداع.
خاتمة
رواية The Fault in Our Stars ليست فقط قصة عن السرطان أو الموت، بل هي قبل كل شيء قصة عن الحياة التي يمكن أن تُعاش في ظلّ النهاية. إنها تذكير بأن الجمال يمكن أن يوجد حتى في أكثر اللحظات ألمًا، وأن الحبّ الصادق لا يقاس بالزمن، بل بالأثر الذي يتركه فينا.
جون غرين، عبر هذه الرواية، قدّم درسًا أدبيًا وإنسانيًا لا يُنسى، وجعل من شخصيتين مراهقتين رمزًا للعمق الإنساني، والصمود، والقدرة على الحب وسط الرماد.
ولعلّ أكبر هدية قدّمتها هذه الرواية للعالم، هي أنها قالت لنا جميعًا، بصوت عالٍ ومُطمئن:
حتى في الحزن، هناك ما يستحق أن نبتسم له.