سيرة طاووس بن كيسان الواعظ المرشد

المقدمة
يعد طاووس بن كيسان أحد كبار التابعين الذين برزوا في الفقه والحديث والتفسير، وكان من العلماء الربانيين الذين أثروا في جيلهم ومن جاء بعدهم بعلمهم وزهدهم وورعهم. كان من أكابر أهل اليمن في العلم والتقوى، واشتهر بعلاقته الوثيقة بأهل البيت، حيث تتلمذ على يد عدد من الصحابة، مما جعل له مكانة مرموقة بين علماء الإسلام.
في هذا المقال، نسلط الضوء على حياته وسيرته، من ولادته ونشأته، إلى علمه وتأثيره في عصره، فضلاً عن أقوال العلماء فيه، ونختم بوفاته وإرثه العلمي.
أولاً: نشأته وأصوله
ولد طاووس بن كيسان في اليمن، في زمن خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه. وقد نشأ في بيئة علمية أهّلته ليكون من كبار العلماء في عصر التابعين. كان أصله فارسياً، إلا أن نشأته في بيئة عربية مكنته من إتقان اللغة العربية وإجادة علوم الدين.
عاش طاووس في عصر ازدهرت فيه العلوم الإسلامية، وكان للصحابة الدور الأبرز في نقل الحديث الشريف وتفسير القرآن، فتتلمذ على يدهم وأخذ عنهم العلم النافع الذي جعله من كبار العلماء في عصره.
ثانياً: طلبه للعلم ومكانته العلمية
سعى طاووس بن كيسان منذ صغره إلى طلب العلم، فجلس إلى كبار الصحابة وأخذ عنهم الحديث والفقه. ومن أبرز شيوخه:
- عبد الله بن عباس رضي الله عنه، حبر الأمة، حيث لازمه طاووس ونهل من علمه في التفسير والحديث والفقه.
- عبد الله بن عمر رضي الله عنه، الذي كان من الفقهاء البارزين في زمانه.
- عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها، التي كانت من أكثر الصحابة علماً بالحديث والفقه.
- أبو هريرة رضي الله عنه، الصحابي الذي روى الكثير من الأحاديث عن النبي ﷺ.
وقد أتاحت له هذه الصحبة الواسعة الاستفادة من مختلف المدارس الفقهية والصحابية، مما جعله موسوعة علمية متحركة، ينقل الحديث، ويفسره، ويستنبط الأحكام الشرعية.
ثالثاً: ورعه وزهده
كان طاووس بن كيسان من العلماء الزهاد الذين لا يطمعون في الدنيا، بل كانوا يزهدون فيها طلبًا للآخرة. وكان يحرص على التواضع والعبادة، ويحث الناس على التقوى والخوف من الله. وكان يقول:
“وجدت العبادة في أربعة أشياء: في الصلاة، والصيام، وفي قراءة القرآن، وفي الصمت عن الشر.”
كما كان حريصًا على العدل، ولا يخاف في الله لومة لائم، وكان ينصح الحكام بالحق ولا يتردد في توجيه النقد إذا رأى خطأ.
رابعاً: أثره في العلم والحديث
كان لطاووس بن كيسان دور بارز في نشر الحديث النبوي وتعليمه للناس، حيث تتلمذ عليه عدد من العلماء البارزين مثل:
- الإمام الأوزاعي، الذي كان من كبار فقهاء الشام.
- الإمام مالك بن أنس، مؤسس المذهب المالكي.
- عبد الرحمن بن مهدي، من المحدثين الثقات.
وقد روى عنه كثير من العلماء، وأشادوا بصدقه وأمانته في نقل الحديث. وكان شديد الحرص على دقة الأحاديث، فلا يروي إلا ما تأكد من صحته.
خامساً: أقوال العلماء فيه
كان طاووس محل ثناء وإجلال عند العلماء، فمدحوه في علمه وورعه وزهده. ومن أقوال العلماء عنه:
- قال الإمام أحمد بن حنبل: “طاووس من أئمة المسلمين.”
- قال يحيى بن معين: “ثقة، فقيه، من أعلام التابعين.”
- قال ابن حجر العسقلاني: “كان من أئمة الهدى، شديد الورع، كثير العبادة.”
وكان بعض السلاطين يعرضون عليه القضاء أو المناصب، لكنه كان يرفضها زهداً وخشية من تحمل المسؤولية.
سادساً: وفاته وإرثه العلمي
توفي طاووس بن كيسان سنة 106 هـ في مكة المكرمة، وكان حينها في رحلة للحج. ودفن هناك بعد حياة مليئة بالعلم والدعوة إلى الله.
ترك طاووس إرثًا علميًا ضخمًا يتمثل في تلاميذه الذين نقلوا علمه، والأحاديث التي رواها عن الصحابة، والمواقف التي خلدها التاريخ.
الخاتمة
كان طاووس بن كيسان نموذجًا للعالم الرباني الذي جمع بين العلم والورع، وبين الفقه والزهد، وبين الحديث والعمل. لقد ترك بصمة واضحة في العلوم الإسلامية، وظل اسمه مخلدًا في كتب الحديث والتفسير والفقه.
فهو من التابعين الذين كانوا قدوة للأجيال، ويمثل أحد أعمدة نقل الحديث في الإسلام، وكان مثالًا للزهد والإخلاص في العلم والعمل.